للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: الرسالة وبين ما على الرسول من الدعاء إلى التوحيد وإقامة الدليل قال: {الله} أي: الحاوي لجميع صفات الكمال وحده {الذي خلق السموات} كلها {والأرض} بأسرها {وما بينهما} من المنافع العينية والمعنوية {في ستة أيام} كما يأتي تفصيله في فصلت إن شاء الله تعالى {ثم استوى على العرش} وهو في اللغة سرير الملك استواء يليق به تعالى لم تعهد، وأمثله وهو أنه تعالى أخذ في تدبيره وتدبير ما حواه بنفسه لا شريك له ولا نائب فيه ولا وزير كما تعهدون من ملوك الدنيا إذا امتنعت ممالكهم وتباعدت أطرافها وتناءت أقطارها {ما لكم من دونه} لأن كل ما سواه دونه وتحت قهره، ودل على عموم النفي بقوله تعالى: {من ولي} أي: يلي أموركم ويقوم بمصالحكم وينصركم إذا حل بكم شيء مما تنذرون به {ولا شفيع} يشفع عنده في تدبيركم أو في أحد منكم بغير إذن. {أفلا تتذكرون} هذا فتؤمنون.

ولما نفى أن يكون له وزيرٌ أو شريكٌ في الخلق ذكر كيف يفعل في هذا الملك العظيم الذي أبدعه فقال مستأنفاً مفسراً للمراد بالاستواء:

{يدبر الأمر} أي: كل أمر هذا العالم بأن يفعل في ذلك فعل الناظر في أدباره لإتقان خواتمه ولوازمه، كما نظر في إقباله لأحكام فواتحه وعوازمه، لا يكل شيئاً منه إلى أحد من خلقه. قال الرازي في اللوامع: وهذا دليل على أن استواءه على العرش بمعنى إظهاره القدرة، والعرش مظهر التدبير لا مقر لمدبر.

ولما كان المقصود للقرب إنما هو تدبير ما يمكن مشاهدتهم له من العالم قال تعالى مفرداً: {من السماء} أي: فينزل ذلك الأمر الذي أتقنه كما يتقن من ينظر في إدبار ما يعمله {إلى الأرض} أي: غير متعرض إلى ما فوق ذلك، على أن السماء تشمل كل عال فيدخل جميع العالم العلوي، والأرض تشمل كل ما سفل فيشمل ذلك العالم السفلي.

تنبيه: ههنا همزتان مكسورتان، فقالون وابن كثير يسهل الأولى كالياء مع المد والقصر، وورش وقنبل يسهل الثانية، ولهما إبدالهما من غير مدَ، وأسقط أبو عمرو الأولى مع المد والقصر والباقون بتحقيقهما. ولما كان الصعود أشق من النزول على ما جرت به العوائد فكان بذلك مستبعداً؛ أشار إلى ذلك بقوله تعالى: {ثم يعرج} أي: يصعد {إليه} أي: بصعود الملك إلى الله تعالى أي: إلى الموضع الذي شرفه أو أمره بالكون فيه كقوله تعالى {إني ذاهب إلى ربي} (الصافات: ٩٩)

{ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله} (النساء: ١٠٠)

ونحو ذلك، أو إلى الموضع الذي ابتدأ منه نزول التدبير إلى السماء كأنه صاعد في معارج، وهي الدرج على ما تتعارفون بينكم في أسرع من لمح البصر {في يوم} أي: من أيام الدنيا {كان مقداره} لو كان الصاعد واحداً منكم على ما تعهدون {ألف سنة مما تعدون} من سنيكم التي تعهدون، قال البقاعي: والذي دل على هذا التقدير شيء من العرف وشيء من اللفظ، أما اللفظ فالتعبير بكان مع انتظام الكلام بدونها لو أريد غير ذلك، وأما العرف فهو أن الإنسان المتمكن يبني البيت العظيم العالي في سنة مثلاً، فإذا فرغه صعد إليه خادمه إلى أعلاه في أقل من درجتين من درج الرمل، فلا تكون نسبة ذلك من زمن بنائه الأجر، أو لا يبعد هذا وهو خلق محتاج، فما ظنّك بمن خلق الخلق في ستة أيام ولو شاء لخلقهم في لمحة، وهو غني عن كل شيء قادر على كل شيء انتهى.

فنزول الأمر وعروج العمل في مسافة ألف سنة مما تعدون وهو ما بين السماء والأرض فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>