للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأن الإخلاف إما العجزٍ أو نسيانٍ أو حاجةٍ ولا شيء من ذلك يليق بجنابي ولا يحل بساحتي، وأكد لأجل إنكارهم فقال مقسماً: {لأملأن جهنم} أي: التي هي محل إهانتي {من الجنة} أي: الجن طائفة إبليس، وكأنه تعالى أنثهم تحقيراً لهم عند من يستعظم أمرهم وبدأ بهم لاستعظامهم لهم ولأنهم الذين أضلوهم {والناس أجمعين} حيث قلت لإبليس: {لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} (ص: ٨٥)

فلذلك شئت كفر الكافر وعصيان العاصي بعد أن جعلت لهم اختياراً، وغيبت العاقبة عنهم، فصار الكسب ينسب إليهم ظاهراً والخلق في الحقيقة والمشيئة لي.

ولما تسبب عن هذا القول الصادق أنه لا محيص بهم عن عذابهم قال لهم الخزنة إذا دخلوا جهنم:

{فذوقوا} العذاب {بما} أي: بسبب ما {نسيتم لقاء يومكم} وحققه وبين ذلك بقوله تعالى: {هذا} أي: بترككم الإيمان به {إنا نسيناكم} أي: عاملناكم بمالنا من العظمة ولكم من الحقارة معاملة الناسي لكم فتركناكم في العذاب {وذوقوا عذاب الخلد} أي: المختص بأنه لا آخر له {بما} أي: بسبب ما {كنتم تعملون} أي: من الكفر والتكذيب وإنكار البعث.

ولما ذكر تعالى علامة أهل الكفر أن ذكر علامة أهل الإيمان بقوله تعالى:

{إنما يؤمن بآياتنا} أي: الدالة على عظمتنا {الذين إذا ذكروا بها} أي: من أي: مذكر كان في أي: وقت كان {خروا سجداً} أي: بادروا إلى السجود مبادرة من كأنه سقط من غير قصد خضعاً لله من شدة تواضعهم وخشيتهم وإخباتهم خضوعاً ثابتاً دائماً {وسبحوا} أي: أوقعوا التسبيح به عن كل شائبة نقص متلبسين {بحمد ربهم} أي: قالوا سبحان الله وبحمده. وقيل: صلوا بأمر ربهم.

ولما تضمن هذا تواضعهم صرح به في قوله تعالى {وهم لا يستكبرون} أي: عن الإيمان والطاعة كما يفعل من يصير مستكبراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقرأ السورة التي فيها السجدة فيسجد ونسجد حتى ما يجد أحدنا مكاناً لموضع جبهته في غير وقت الصلاة» وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل إبليس يبكي يقول: يا ويلتي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» وهذه من عزائم سجود القرآن فتسن للقارئ والمستمع والسامع.

ولما كان المتواضع ربما ينسب إلى الكسل نفى ذلك عنهم مبيناً لما تضمنته الآية السالفة من خوفهم بقوله تعالى:

{تتجافى} أي: ترتفع وتنبو {جنوبهم عن المضاجع} عبر به عن ترك النوم، قال ابن رواحة:

*نبيٌّ تجافى جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالمشركين المضاجع*

والمضاجع: جمع المضجع وهو الموضع الذي يضجع عليه يعني الفراش وهم المتهجدون الذين يقيمون الصلاة. قال أنس: «نزلت فينا معاشر الأنصار كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم وعن أنس أيضاً قال: «نزلت في أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون صلاة المغرب إلى صلاة العشاء» قال عطاء: هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخرة والفجر في جماعة.

وعنه صلى الله عليه وسلم «من صلى العشاء في جماعة كان

<<  <  ج: ص:  >  >>