للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إسرائيل آذاه أيضاً بالمخالفة، فطلبوا أشياء مثل رؤية الله جهرة، وكقولهم {فاذهب أنت وربك فقاتلا} (المائدة: ٢٤)

وأظهر هذه الأقوال أن الضمير إما لموسى وإما للكتاب، واختلف في الضمير أيضاً في قوله تعالى {وجعلناه} على قولين: أحدهما: يرجع إلى موسى أي: وجعلنا موسى {هدى} أي: هادياً {لبني إسرائيل} كما جعلناك هادياً لأمتك. والثاني: أنه يرجع إلى الكتاب أي: وجعلنا كتاب موسى هادياً كما جعلنا كتابك كذلك.

{وجعلنا منهم} أي: من أنبيائهم وأحبارهم {أئمة يهدون} أي: يرفعون البيان ويعملون على حسبه {بأمرنا} أي: بما نزلنا فيه من الأوامر، كذلك جعلنا من أمتك صحابة يهدون، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم» وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الهمزة قبل الميم، ولهم أيضاً إبدالها ياء، وحققها الباقون ومد هشام بين الهمزتين بخلاف عنه، وقوله تعالى {لما صبروا} قرأ حمزة والكسائي بكسر اللام وتخفيف الميم أي: بسبب صبرهم على دينهم وعلى البلاء من عدوهم ولأجله، وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد الميم أي: حين صبرهم على ذلك، وإن كان الصبر أيضاً إنما هو بتوفيق الله تعالى {وكانوا بآياتنا} الدالة على قدرتنا ووحدانيتنا لما لها من العظمة {يوقنون} أي: لا يرتابون في شيء منها ولا يعملون فعل الشاك فيها بالإعراض.

ولما أفهم قوله تعالى منهم أنه كان منهم من يضل عن أمر الله قال الله تعالى:

{إن ربك} أي: المحسن إليك بإرسالك ليعظم ثوابك {هو} أي: وحده {يفصل بينهم} أي: بين الهادين والمهديين والضالين والمضلين {يوم القيامة} بالقضاء الحق {فيما كانوا فيه يختلفون} أي: من أمر الدين لا يخفي عليه شيء منه وأما غير ما اختلفوا فيه، فالحكم فيه لهم أو عليهم، وما اختلفوا فيه لا على وجه القصد فيقع في محل العفو.

ولما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد بقوله تعالى:

{أولم يهد} أي: يبين كما رواه البخاري عن ابن عباس {لهم كم أهلكنا} أي: كثرة من أهلكنا {من قبلهم من القرون} الماضين من المعرضين عن الآيات، ونجينا من آمن بها. وقوله تعالى {يمشون} حال من ضمير لهم {في مساكنهم} أي: في أسفارهم إلى الشام وغيرها كمساكن عاد وثمود وقوم لوط فيعتبروا {إن في ذلك} أي: الأمر العظيم {لآيات} أي: دلالات على قدرتنا {أفلا يسمعون} سماع تدبر واتعاظ فيتعظوا بها.

{أولم} أي: أيقولون في إنكار البعث أئذا ضللنا في الأرض ولم {يروا أنا} بما لنا من العظمة {نسوق الماء} أي: من السماء أو الأرض {إلى الأرض الجرز} أي: التي جرز نباتها أي: قطع باليبس والتهشم أو بأيدي الناس فصارت ملساء لا نبات فيها، وفي البخاري عن ابن عباس أنها التي لا تمطر إلا مطراً لا يغني عنها شيئاً، ولا يقال للتي لا تنبت كالسباخ جرز ويدل عليه قوله تعالى {فنخرج به} من أعمال الأرض بذلك الماء {زرعاً} أي: نبتاً لا ساق له باختلاط الماء بالتراب، وقيل الجرز: اسم موضع باليمن {تأكل منه أنعامهم} أي: من حبه وورقه وتبنه وحشيشه {وأنفسهم} أي: من الحبوب والأقوات، وقدّم الأنعام لوقوع الامتنان بها لأن بها قوامهم في معايشهم وأبدانهم ولأن الزرع غذاء للدواب لابد منه، وأما غذاء الإنسان فقد يصلح للحيوان فكان الحيوان يأكل الزرع، ثم الإنسان يأكل من الحيوان.

فإن قيل:

<<  <  ج: ص:  >  >>