للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على الحال كما مر، أو بإضمار أعني، والباقون بالرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر كما مر.

ولما ذكر تعالى المرسل وهو الله تعالى، والمرسل وهو النبي صلى الله عليه وسلم والمرسل به وهو القرآن ذكر المرسل لهم بقوله تعالى:

{لتنذر قوماً} أي: ذوي بأس وقوة وذكاء وفطنة {ما أنذر} أي: لم تنذر أصلاً {آباؤهم} أي: لم ينذروا في زمن الفترة {فهم} أي: بسبب زمان الفترة {غافلون} أي: عن الإيمان والرشد وقوله تعالى:

{لقد حق القول على أكثرهم} فيه وجوه: أشهرها: أن المراد بالقول هو قوله تعالى: {لقد حق القول مني لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} ثانيها: أن معناه لقد سبق في علمه تعالى أن هذا يؤمن وهذا لا يؤمن فحق القول أي: وجب وثبت بحيث لا يبدل بغيره كما قال تعالى {ما يبدل القول لدى} (ق: ٢٩)

ثالثها: المراد لقد حق القول الذي قاله الله تعالى على لسان الرسل من التوحيد وغيره {فهم} أي: بسبب ذلك {لا يؤمنون} أي: بما يلقى إليهم من الإنذار بل يزيدهم عمى استكباراً في الأرض ومكر السيء.

ونزل في أبي جهل وصاحبه:

{إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً} أي: بأن تضم إليها الأيدي؛ لأن الغل يجمع اليد إلى العنق، وذلك أن أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمداً صلى الله عليه وسلم يصلي ليرضخن رأسه، فأتاه وهو يصلى ومعه حجر ليدمغه به فلما رفعه أثبتت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده إلى عنقه، فلما رجع إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر فقال رجل من بني مخزوم: أنا أقتله بهذا الحجر فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله تعالى بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: ما رأيته ولقد سمعت كلاماً وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه ولو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ووجه المناسبة لما تقدم أنه لما قال تعالى {لقد حق القول على أكثرهم} وتقدم أن المراد به البرهان وقال بعد ذلك: بل عاينوا وأبصروا ما يقرب من الضرورة حيث التزقت يده بعنقه، ومنع من إرسال الحجر وهو مضطر إلى الإيمان ولم يؤمن علم أنه لا يؤمن أصلاً، وقال أهل المعاني: هذا على طريق المثل ولم يكن هناك غل، أراد منعناهم عن الإيمان بموانع، فجعل الأغلال مثلاً لذلك فهو تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات والنذر بتمثيلهم بالذين غلت أيديهم.

وقال الفراء: معناه حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله كقوله تعالى {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك} (الإسراء: ٢٩)

معناه: ولا تمسكها عن النفقة، ومناسبة هذا لما تقدم أن قوله تعالى {فهم لا يؤمنون} يدخل فيه أنهم لا يصلون لقوله تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} (البقرة: ١٤٣)

أي: صلاتكم عند بعض المفسرين والزكاة مناسبة للصلاة فكأنه قال: لا يصلون ولا يزكون، واختلف في عود الضمير في قوله تعالى {فهي إلى الأذقان} على وجهين: أشهرهما: أنه عائد على الأغلال؛ لأنها هي المحدث عنها، ومعنى هذا الترتيب بالفاء أن الغل لغلظه وعرضه يصل إلى الذقن؛ لأنه يلبس العنق جميعه، قال الزمخشري: والمعنى أنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ثقالاً بحيث تبلغ إلى الأذقان فلم يتمكن المغلول معها من أن يطأطئ رأسه.

ثانيهما: أن الضمير يعود إلى الأيدي، وإليه ذهب الطبري وعليه جرى الجلال المحلي؛ لأن الغل لا يكون إلا في العنق واليدين، ودل على الأيدي وإن لم تذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>