للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الله وإن كان محسناً، وهذا كما وقع للأنصار رضي الله تعالى عنهم في المبادرة إلى الإيمان مع بعد الدار والنسب، وفي قول من استشهد منهم في بئر معونة كما رواه البخاري في المغازي عن أنس: «بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا» وفي غزوة أُحد.

كما في السيرة وغيرها: لما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تبارك وتعالى: فأنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً} (آل عمران: ١٦٩) ، وفي التمثيل بهذه القصة إشارة إلى أن في قريش من حتم بموته على الكفر ولم ينقص ما قضى له من الأجل، فالله سبحانه يؤيد هذا الدين بغيرهم لتظهر قدرته وحكمته:

{وما أنزلنا} بما لنا من العظمة {على قومه} أي: حبيب {من بعده} أي: من بعد إهلاكه أو رفعه {من جند من السماء} لإهلاكهم كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك، وفيه استحقار بإهلاكهم وإيماء بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا لكان تحريك ريشة من جناح ملك كافياً في استئصالهم، فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى {من بعده} وهو تعالى لم ينزل عليهم من قبله؟ أجيب: بأن استحقاق العذاب كان بعده حيث أصروا واستكبروا فبين حال الإهلاك بقوله تعالى: {وما كنا منزلين} أي: ما كان ذلك من سنتنا وما صح في حكمتنا أن يكون عذاب الاستئصال بجند كثير.

{إن} أي: ما {كانت} أي: الواقعة التي عذبوا بها {إلا صيحة} صاحها بهم جبريل عليه السلام فماتوا عن آخرهم وأكد أمرها وحقق وحدتها بقوله تعالى: {واحدة} أي: لحقارة أمرهم عندنا ثم زاد في تحقيرهم ببيان الإسراع في الإهلاك بقوله تعالى: {فإذا هم خامدون} أي: ثابت لهم الخمود ما كأنهم كانت بهم حركة يوماً من الدهر شبهوا بالنار رمزاً إلى أن الحي كالنار الساطعة والميت كرمادها كما قال لبيد:

*وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يصير رماداً بعد إذ هو ساطع*

وقال المعري:

*وكالنار الحياة فمن رماد ... أواخرها وأولها دخان*

قال المفسرون: أخذ جبريل عليه السلام بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة واحدة فماتوا {يا حسرة على العباد} أي: هؤلاء ونحوهم ممن كذبوا الرسل فأهلكوا وهي شدة التألم ونداؤها مجاز أي: هذا أوانك فاحضري، ثم بين تعالى سبب الحسرة والندامة بقوله تعالى: {ما يأتيهم من رسول} أي رسول كان في أي وقت كان {إلا كانوا به} أي: بذلك الرسول {يستهزؤن} والمستهزئ بالناصحين المخلصين أحق أن يتحسر ويتحسر عليه، وقيل: يقول الله تعالى يوم القيامة {يا حسرة على العباد} حين لم يؤمنوا بالرسل.

ولما بين تعالى حال الأولين قال للحاضرين:

{ألم يروا} أي: أهل مكة القائلين للنبي صلى الله عليه وسلم لست مرسلاً، والاستفهام للتقرير أي: اعلموا وقوله تعالى {كم} خبرية بمعنى كثيراً وهو مفعول لأهلكنا تقديره: كثيراً من القرون أهلكنا وهي معمولة لما بعدها معلقة ليروا عن العمل ذهاباً بالخبرية مذهب الاستفهامية والمعنى: أما

<<  <  ج: ص:  >  >>