فطرحوه فيها وذلك هو قوله تعالى {فألقوه في الجحيم} وهي النار العظيمة قال الزجاج: كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم.
{فأرادوا به كيداً} أي: شراً بإلقائه في النار لتهلكه {فجعلناهم الأسفلين} أي: المقهورين الأذلين بإبطال كيدهم وجعلنا ذلك برهاناً نيراً على علو شأنه حيث جعلنا النار عليه برداً وسلاماً وخرج منها سالماً.
{وقال إني ذاهب إلى ربي} أي: إلى حيث أمرني ربي ونظيره قوله تعالى {وقال إني مهاجر إلى ربي} (العنكبوت: ٢٦)
أي: مهاجر إليه من دار الكفر {سيهدين} أي: إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي وهو الشام، وإنما بتّ القول لسبق وعده ولفرط توكله أو للبناء على عادته تعالى معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه السلام حيث قال {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} (القصص: ٢٢)
فلذلك ذكر بصيغة التوقع.
ولما وصل إلى الأرض المقدسة قال:
{رب هب لي من الصالحين} أي: هب لي ولداً صالحاً يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة؛ لأن لفظ هب غلب في الولد وإن كان قد جاء في الأخ في قوله تعالى {ووهبنا له من رحمتنا أخاه هرون نبياً} (مريم: ٥٣)
قال الله تعالى:
{فبشرناه بغلام حليم} أي: ذي حلم كثير في كبره غلام في صغره، ففيه بشارة بأنه ابن وأنه يعيش وينتهي إلى سن يوصف بالحلم وأي حلم أعظم من أنه عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق فقال: {ستجدني إن شاء الله من الصابرين} (الصافات: ١٠٢)
وقيل: ما وصف الله تعالى نبياً بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه اسماعيل عليهما الصلاة والسلام وحالتهما المذكورة تشهد عليه.
{فلما بلغ معه السعي} أي: أن يسعى معه قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة: بلغ معه السعي إي المشي معه إلى الجبل وقال مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: ما شب حتى بلغ سعيه بسعي إبراهيم والمعنى: بلغ أن يتصرف معه وأن يعينه في عمله، وقال الكلبي: يعني العمل لله تعالى وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة، وقيل: سبع سنين.
تنبيه: معه متعلق بمحذوف على سبيل البيان كأن قائلاً قال: مع من بلغ السعي؟ فقيل: مع أبيه ولا يجوز تعلقه ببلغ؛ لأنه يقتضي بلوغهما معاً حد السعي ولا يجوز تعلقه بالسعي؛ لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه.
وقوله تعالى {قال يا بني إني أرى} أي: رأيت {في المنام أني أذبحك} يحتمل أنه رأى ذلك وأنه رأى ما هو تعبيره، وقيل: إنه رأى في ليلة التروية في منامه كأن قائلاً يقول له: إن الله تعالى يأمرك بذبح ابنك، فلما أصبح تروى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله أم من الشيطان؟ فمن ثم سمى يوم التروية فلما أمسى رأى أيضاً مثل ذلك فعرف أنه من الله تعالى فسمي يوم عرفة ثم رأي مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي يوم النحر، وهذا قول أكثر المفسرين، وهو يدل على أنه رأى في المنام ما يوجب أن يذبح ابنه في اليقظة وعلى هذا فتقدير اللفظ: أرى في المنام ما يوجب أني أذبحك.
تنبيه: اختلف في الذبيح فقيل: هو اسحق عليه السلام وبه قال: عمر وعلي وابن مسعود رضي الله عنهم وغيرهم، وقيل: إسماعيل وبه قال ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب رضي الله عنهم وغيرهم وهو الأظهر كما قاله البيضاوي؛ لأنه الذي وهب له أثر الهجرة ولأن البشارة بإسحق بعد معطوفة على البشارة بهذا الغلام ولقوله صلى الله عليه وسلم «أنا ابن الذبيحين» . وقال له أعرابي: يا ابن الذبيحين فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم فسئل عن ذلك فقال: إن عبد المطلب لما حفر بئر