للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لفرط جهلهم يثبتونه كأنهم قد شاهدوا خلقهم. وأما الخبر فمفقود أيضاً؛ لأن الخبر إنما يفيد العلم إذا علم كونه صدقاً قطعاً وهؤلاء الذين يخبرون عن هذا الحكم كذابون أفاكون لم يدل على صدقهم دليل، وهذا هو المراد من قوله تعالى:

{ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون} أي: فيما زعموا وقوله تعالى:

{أصطفى البنات على البنين} استفهام إنكار واستبعاد، والاصطفاء أخذ صفوة الشيء.

فائدة: همزة أصطفى همزة قطع مفتوحة مقطوعة وصلاً وابتداء.

هذا الحكم الفاسد {أفلا تذكرون} أي: أنه تعالى منزه عن ذلك، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بتخفيف الذال، والباقون بالتشديد.

وأما النظر فمفقود من وجهين؛ الأول: أن دليل العقل يقتضي فساد هذا المذهب؛ لأنه تعالى أكمل الموجودات، والأكمل له اصطفاء الأبناء على البنات يعني: أن إسناد الأفضل إلى الأفضل أقرب إلى العقل من إسناد الأخس إلى الأفضل، فإن كان حكم العقل معتبراً في هذا الباب كان قولهم باطلاً، الثاني: أن نترك الاستدلال على فساد مذهبهم بل نطالبهم بإثبات الدليل الدال على صحة مذهبهم وإذا لم يجدوا دليلاً ظهر بطلان مذهبهم وهذا هو المراد بقوله تعالى:

{أم لكم سلطان مبين} أي: حجة واضحة أن لله ولداً.

{فأتوا بكتابكم} أي: التوراة فأروني ذلك فيه {إن كنتم صادقين} أي: في قولكم هذا.

{وجعلوا بينه وبين الجنة نسباً} قال مجاهد وقتادة: أراد بالجنة الملائكة عليهم السلام سموا جناً لاجتنانهم عن الأبصار، وقال ابن عباس: حي من الملائكة يقال لهم: الجن منهم إبليس لعنه الله، وقيل: هم خزان الجنة، قال الرازي: وهذا القول عندي مشكل؛ لأنه تعالى أبطل قولهم: الملائكة بنات الله، ثم عطف عليه قوله تعالى: {وجعلوا} إلخ والعطف يقتضي المغايرة، فوجب أن يكون المراد من الآية غير ما تقدم، وقال مجاهد: قال كفار قريش: الملائكة بنات الله، فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه منكراً عليهم: فمن أمهاتهم؟ قالوا: سروات الجن، وهذا أيضاً بعيد؛ لأن المصاهرة لا تسمى نسباً، قال الرازي: وقد روينا في تفسير قوله تعالى: {وجعلوا لله شركاء الجن} (الأنعام: ١٠٠)

أن قوماً من الزنادقة يقولون: إن الله تعالى وإبليس أخوان فالله تعالى هو الحر الكريم وإبليس هو الأخ الشرير، فالمراد من ذلك هو هذا المذهب وهو مذهب المجوس، قال: وهذا القول عندي هو أقرب الأقاويل في الرد عليه بهذه الآية {ولقد علمت الجنة أنهم} أي: أهل هذا القول {لمحضرون} أي: إلى النار ومعذبون، وقيل: المراد ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون العذاب، فعلى الأول الضمير عائد إلى القائل، وعلى الثاني عائد إلى نفس الجنة.

ثم إنه تعالى نزه نفسه عما قالوه من الكذب فقال تعالى:

{سبحان الله عما يصفون} بأن لله تعالى ولداً ونسباً وقوله تعالى:

{إلا عباد الله المخلصين} أي: المؤمنين استثناء منقطع أي: لكن عباد الله المخلصين ينزهون الله تعالى عما يصف هؤلاء. الثالث: أنه ضمير محضرون أي: لكن عباد الله تعالى ناجون وعلى هذا فتكون جملة التسبيح معترضة وظاهر كلام أبي البقاء أنه يجوز أن يكون استثناء متصلاً؛ لأنه قال: مستثنى من جعلوا أو محضرون، ويجوز أن يكون منفصلاً، فظاهر هذه العبارة أن الوجهين الأولين هو فيهما متصل لا منفصل وليس ببعيد كأنه قيل: وجعل الناس، ثم استثنى منهم هؤلاء وكل من لم يجعل بين الله وبين الجنة

<<  <  ج: ص:  >  >>