للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجتمع في هذا اليوم فلا بد من تسميته بها كلها.

ولما كان عادة المتنادين الإقبال وصف ذلك اليوم بضد ذلك لشدة الأهوال فقال تعالى مبدلاً أو مبيناً:

{يوم تولون} أي: عن الموقف {مدبرين} قال الضحاك: إذا سمعوا زفير النار وفروا هرباً فلا يأتون قطراً من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفاً فيرجعون إلى أماكنهم فذلك قوله تعالى: {والملك على إرجائها} (الحاقة: ١٧)

وقوله تعالى: {يا معشر الجن والأنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} (الرحمن: ٣٣)

وقال مجاهد: فارين من النار غير معجزين، وقيل: منصرفين عن الموقف إلى النار ثم أكد التهديد بقوله تعالى: {مالكم من الله} أي: الملك الجبار الذي لا يذل {من عاصم} أي: من فئة تحميكم وتنصركم وتمنعكم من عذابه.

ثم نبه على قوة ضلالهم وشدة جهالتهم فقال تعالى: {ومن يضلل الله} أي: الملك المحيط بكل شيء {فما له من هاد} أي: إلى شيء ينفعه بوجه من الوجوه.

تنبيه: في قراءة هاد ما تقدم في قوله: {من واق} (الرعد: ٣٤)

ولما قال لهم مؤمن آل فرعون: {ومن يضلل الله فما له من هاد} ذكر لهم مثالاً بقوله تعالى:

{ولقد جاءكم} أي: جاء آباءكم يا معشر القبط، ولكنه عبر بذلك دلالة على أنهم على مذهب الآباء كما جرت به العادة من التقليد ومن أنهم على طبعهم لا سيما أن كانوا لم يفارقوا مساكنهم {يوسف} أي: نبي الله ابن نبي الله يعقوب ابن نبي الله إسحاق بن خليل الله إبراهيم عليهم وعلى نبينا محمد أفضل الصلاة والسلام {من قبل} أي: قبل زمن موسى عليه السلام {بالبينات} أي: الآيات الظاهرات لا سيما في أمر يوم التناد {فما زلتم} أي: ما برحتم أنتم تبعاً لآبائكم {في شك} أي: محيط بكم لم تصلوا إلى رتبة الظن {مما جاءكم به} من التوحيد، وقال ابن عباس: من عبادة الله وحده لا شريك له فلم تنتفعوا البتة بتلك البينات ودل على تمادي شكهم بقوله تعالى: {حتى إذا هلك} فهو غاية أي: فما زلتم في شك حتى هلك {قلتم لن يبعث الله} أي: الذي له صفات الكمال {من بعده} أي: يوسف عليه السلام {رسولاً} أي: أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة، وهذا ليس إقراراً منهم برسالته بل هو ضم منهم إلى الشك في رسالته والتكذيب برسالة من بعده وقوله تعالى: {كذلك} خبر مبتدأ مضمر أي: الأمر كذلك أو مثل هذا الضلال {يضل الله} أي: بما له من صفات القهر {من هو مسرف} أي: مشرك متغال في الأمور خارج عن الحدود {مرتاب} أي: شاك فيما تشهد به البينات بغلبة الوهم والانهماك في التقليد ثم بين تعالى ما لأجله بقوا في الشك والإسراف فقال سبحانه:

{الذين يجادلون} وهو مبتدأ أي: يخاصمون خصاماً شديداً {في آيات الله} أي: المحيط بأوصاف الكمال لاسيما الآيات الدالة على يوم التناد فإنها أظهر الآيات، وكذا الآيات الدالة على وجوده سبحانه وتعالى وعلى ما هو عليه من الصفات والأفعال وما يجوز عليه أو يستحيل {بغير سلطان} أي: برهان {أتاهم} وقوله: {كبر} أي: جدالهم {مقتاً} خبر المبتدأ ويجوز في الذين أوجه أيضاً منها: أنه بدل من قوله تعالى: {من هو مسرف} وإنما جمع اعتباراً بمعنى من، ومنها: أن يكون بياناً له، ومنها: أن يكون صفة له وجمع على معنى من أيضاً، ومنها أن ينصب بإضمار أعني، وقال الزجاج قوله: {الذين يجادلون} تفسير لمسرف مرتاب يعني هم الذين يجادلون في آيات الله أي: في إبطالها بالتكذيب

<<  <  ج: ص:  >  >>