ما هو شعر ولا سحر ولا كهانة يا معشر قريش أطيعوني، خلوا بينكم وبين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه والله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظفر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وأنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا لوليد بلسانه قال: هذا رأي لكم فاصنعوا ما بدا لكم.
ولما جمعهم الله فيما اجتمعوا فيه حتى كأنهم تواصوا به، فصّلهم وفصّل ما اختلفوا فيه فقال مسبباً عما مضى من مقالاتهم:
{فأما عاد} أي: قوم هود عليه السلام {فاستكبروا} أي: طلبوا الكبر وأوجدوه {في الأرض} أي: كلها التي كانوا فيها بالفعل وغيرها بالقوة أو في الكل بالفعل لكونهم ملكوها كلها، ثم بين كبرهم أنه {بغير الحق} أي: الذي لم يطابق الواقع، ثم ذكر تعالى سبب الاستكبار بقوله تعالى:{وقالوا من أشد منا قوة} وذلك أن هوداً عليه السلام هددهم بالعذاب، فقالوا: نحن نقدر على دفع العذاب بفضل قوتنا، وكانوا ذوي أجسام طوال طول الطويل منهم أربعمائة ذراع كما سيأتي في سورة الفجر، قال الله تعالى رداً عليهم:
{أولم يروا} أي: يعلموا علماً هو كالمشاهدة {أن الله} أي: المحيط بكل شيء قدرة وعلماً {الذي خلقهم} ولم يكونوا شيئاً {هو أشد منهم قوة} ومن علم أن غيره أقوى منه وكان عاقلاً انقاد له فيما ينفعه ولا يضره، وقوله تعالى:{وكانوا بآياتنا يجحدون} أي: يعرفون أنها حق وينكرونها، عطف على فاستكبروا.
{فأرسلنا} أي: بسبب ذلك على مالنا من العظمة {عليهم ريحاً} أي: عظيمة {صرصراً} أي: شديد البرد والصوت والعصوف حتى كانت تجهد البدن ببردها فتكون كأنها تصره أي: تجمعه في موضع واحد فتمنعه التصرف بقوتها وتقطع القلب بصوتها فتقهر شجاعته وتمحق بشدة بردها كل ما مرت عليه، وقوله تعالى:{في أيام نحسات} أي: مشؤومات جمع نحسة، وقرأ ابن عامر والكوفيون بكسر الحاء من نحس، نحساً نقيض سعد سعداً فهو نحس والباقون بسكونها فهو إما مخفف نحس أو صفة على فعل أو وصف بمصدر قال الضحاك: أمسك الله تعالى عنهم المطر ثلاث سنين وكانت الريح عليهم من غير مطر، روي أن الأيام كانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء قال البيضاوي: وما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء.
وعن عبد الله بن عباس أنه قال: الرياح ثمان: أربع منها عذاب: وهي العاصفة والصرصر والعقيم والقاصف، وأربع منها رحمة: وهي المبشرات والناشرات والمرسلات والذاريات، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى ما أرسل على عاد من الريح إلا قدر خاتمي، وفعلنا ذلك بهم {لنذيقهم عذاب الخزي} أي: الذل والهوان {في الحياة الدنيا} كما استكبروا في الأرض بغير الحق فيذبلوا عند من تعظموا عليه في الدار التي اغتروا بها فتعظموا فيها، فإن ذلك أدل على القدرة عند من تقيد بالوهم {ولعذاب الآخرة} أي: الذي أعد للمتكبرين في الآخرة بغير الحق {أخزى} أي: أشد إهانة، وهو في الأصل صفة المعذب، وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة {وهم لا ينصرون} أي: لا يوجد ولا يتجدد لهم نصر أبداً بوجه من الوجوه.
ولما أنهى تعالى أمر صاعقة عاد، شرع في بيان صاعقة ثمود فقال تعالى:
{وأما ثمود} وهم قوم صالح عليه السلام {فهديناهم} أي: بينا لهم طريق الهدى من أنا قادرون على البعث