للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لوجوه؛ أحدها: أنه تعالى حكى عن أكثر الأنبياء التصريح بنفي طلب الأجر فقال تعالى في قصة نوح: {وما أسألكم عليه من أجر} (الفرقان: ٥٧)

الآية، وكذا في قصة هود وصالح ولوط وشعيب عليهم الصلاة والسلام، ورسولنا أفضل الأنبياء فأن لا يطلب الأجر على النبوة والرسالة أولى، ثانيها: أنه صلى الله عليه وسلم صرح بنفي طلب الأجر فقال: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} و {قل ما سألتكم من أجر فهو لكم} (سبأ: ٤٧)

ثالثها: أن التبليغ كان واجباً عليه قال تعالى: {بلغ ما أنزل إليك من ربك} (المائدة: ٦٧)

الآية وطلب الأجر على أداء الواجب لا يليق بأقل الناس فضلاً عن أعلم العلماء.

رابعها: أن النبوة أفضل من الحكمة وقال تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} (البقرة: ٢٦٩)

ووصف الدنيا بأنها متاع قليل قال تعالى {قل متاع الدنيا قليل} (النساء: ٧٧)

فكيف يحسن بالعقل مقابلة أشرف الأنبياء بأخس الأشياء، خامسها: أن طلب الأجر يوجب التهمة وذلك ينافي القطع بصحة النبوة، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز من النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلب أجراً البتة على التبليغ والرسالة وههنا قد ذكر ما يجري مجرى طلب الأجر وهو المودة في القربى؟ أجيب: بأنه لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على التبليغ وأما قوله تعالى: {إلا المودة في القربى} فالجواب عنه من وجهين؛ الأول: أن هذا من باب قوله:

*ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب*

يعني: أني لا أطلب منكم إلا هذا وهذا في الحقيقة ليس أجراً لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} (التوبة: ٧١)

وقال صلى الله عليه وسلم «المؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضاً» . والآيات والأخبار في هذا كثيرة، وإذا كان حصول المودة بين المسلمين واجباً فحصولها في حق أشرف المرسلين أولى فقوله: {إلا المودة في القربى} تقديره: والمودة في القربى ليست أجراً، فرجع الحاصل إلى أنه لا أجر البتة. الثاني: أن هذا استثناء منقطع كما مر تقديره في الآية وتم الكلام عند قوله {قل لا أسألكم عليه أجراً} ثم قال: {إلا المودة في القربى} أي: أذكركم قرابتي فيكم فكأنه في اللفظ أجر وليس بأجر واختلفوا في قرابته صلى الله عليه وسلم فقيل: هم فاطمة وعلي وأبناؤهما، وفيهم نزل {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً} (الأحزاب: ٣٣) ، وروى زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إني تارك فيكم كتاب الله وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي» . قيل لزيد بن أرقم فمن أهل بيتي؟ فقال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. وروى ابن عمر عن أبي بكر رضي الله عنه قال: ارقبوا محمداً في أهل بيته وقيل: هم الذين تحرم عليهم الصدقة من أقاربه ويقسم فيهم الخمس وهم بنو هاشم وبنو المطلب الذين لم يفترقوا جاهلية ولا إسلاماً، وقيل: هذه الآية منسوخة وإليه ذهب الضحاك بن مزاحم والحسين بن الفضل، قال البغوي: وهذا قول غير مرضي لأن مودة النبي صلى الله عليه وسلم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه والتقرب إلى الله تعالى بالطاعة والعمل الصالح من فرائض الدين.

ولما كان التقدير فمن يقترف سيئة فعليه وزرها ولكنه طوى لأن المقام للبشارة كما يدل عليه ختم الآية عطف عليه قوله تعالى {ومن يقترف} أي: يكتسب

<<  <  ج: ص:  >  >>