بثلاثة أنواع من الأعمال القبيحة وهي: الإصرار على إنكار الدين الحق، والاستهزاء به والسخرية، والاستغراق في حب الدنيا. وهو المراد بقوله تعالى:
{ذلكم} أي: العذاب العظيم {بأنكم اتخذتم} أي: بتكليف منكم لأنفسكم {آيات الله} أي: الملك الأعظم {هزواً} أي: استهزاء بها ولم تتفكروا فيها، وقرأ {اتخذتم} ابن كثير وحفص بإظهار الذال عند التاء والباقون بالإدغام {وغرتكم الحياة الدنيا} الدنيئة لضعف عقولكم فآثرتموها لكونها حاضرة وأنتم كلابها فقلتم: لا حياة غيرها ولا بعث ولا حساب ولو تعقلتم وصفكم لها لأداكم إلى الإقرار بالآخرة {فاليوم} أي: بعد إيوائهم فيها {لا يخرجون منها} أي: النار لأن الله تعالى لا يخرجهم ولا يقدر غيره على ذلك، وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء التحتية وضم الراء، والباقون بضم الياء وفتح الراء {ولا هم يستعتبون} أي: لا يطلب من طالب ما منهم الإعتاب وهو الاعتذار لأنه لا يقبل ذلك اليوم عذر ولا توبة.
ولما تم الكلام في المباحث الروحانية ختم السورة بتحميد الله تعالى فقال عز من قائل:
{فلله} أي: الذي له الأمر كله {الحمد} أي: الإحاطة بجميع صفات الكمال {رب السموات} أي: ذوات العلو والاتساع والبركات {ورب الأرض} أي: ذات القبول للواردات {رب العالمين} أي: خالق ما ذكر إذ الكلُّ نعمة منه دال على كمال قدرته فاحمدوا الله الذي هو خالق السموات والأرضين وخالق كل العالمين من الأجسام والأرواح والذوات والصفات، فإن هذه توجب الحمد والثناء على كل من المخلوقين والمربوبين.
ولما أفاد ذلك غناه الغنى المطلق وسيادته وأنه لا كفء له عطف عليه بعض اللوازم لذلك تنبيهاً على مزيد الاعتناء به لدفع ما يتوهمونه من ادعاء الشركة التي لا يرضونها لأنفسهم فقال تعالى:
{وله} أي: وحده {الكبرياء} أي: الكبر الأعظم الذي لا نهاية له {في السموات} كلها {والأرض} جميعاً اللتين فيهما آيات الموقنين روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يقول الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار» . وفي رواية عذبته وفي رواية قصمته {وهو} وحده {العزيز} الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء {الحكيم} الذي يضع الأشياء في مواضعها ولا يضع شيئاً إلا كذلك كما أحكم أمره ونهيه وجميع شرعه، وأحكم نظم هذا القرآن جملاً وآيات وفواصل وغايات بعد أن حرر معانيه وتنزيله فصار معجزاً في نظمه ومعناه وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه صلى الله عليه وسلم قال:«من قرأ سورة حم الجاثية ستر الله عورته وسكن روعته يوم الحساب» حديث موضوع.