للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من أوامرنا {الذين كفروا} أي: ستروا بغفلتهم وتماديهم الأدلة الظاهرة {على النار} عرض الجند على الملك، فيسمعون من تغيظها وزفيرها ما لو قدّر أن أحداً يموت في ذلك اليوم لماتوا من معاينته، وهائل رؤيته ثم يقال لهم {أليس هذا} أي: الأمر الذي كنتم به توعدون، ولرسلنا في إخبارهم به تكذبون {بالحق} أي: الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع، أم هو خيال وسحر {قالوا} أي: مصدّقين حيث لا ينفعهم التصديق {بلى} وما كفاهم البدار إلى تكذيب أنفسهم حتى أقسموا عليه بقولهم: {وربنا} أي إنه لحق هو أثبت الأشياء، وليس فيه شيء مما يقارب السحر.

تنبيه: المقصود من هذا الاستفهام التحكم والتوبيخ على استهزائهم بوعد الله تعالى ووعيده. {قال فذوقوا العذاب} أي: باشروه مباشرة الذائق باللسان. ومعنى الأمر؛ الإهانة بهم والتوبيخ لهم ثم صرّح بالسبب فقال تعالى: {بما كنتم} أي: خلقاً مستمرّاً {تكفرون} في دار العمل.

ولما قرّر تعالى المطالب الثلاثة؛ وهي التوحيد، والنبوّة، والمعاد. وأجاب عن الشبهات أردفه بما يجري مجرى الوعظ والنصيحة لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لأنّ الكفار كانوا يؤذونه ويوحشون صدره. فقال تعالى:

{فاصبر} أي: على مشاق ما ترى في تبليغ الرسالة، وعلى أذى قومك قال القشيري: الصبر، هو الوثوق بحكم الله تعالى والثبات من غير بث ولا استكراه {كما صبر أولو العزم} أي: الثبات والجدّ في الأمور. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: أولو الحزم وقوله تعالى: {من الرسل} يجوز فيه أن تكون {من} تبعيضية وعلى هذا فالرسل: أولو عزم وغير أولي عزم ويجوز أن تكون للبيان، وعليه جرى الجلال المحلي فكلهم على هذا أولو عزم.

قال ابن زيد كل الرسل كانوا أولي عزم وحزم ورأي وكمال عقل، وإنما أدخلت من للتجنيس لا للتبعيض كما يقال: اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز. وقال بعضهم: الأنبياء كلهم أولو العزم إلا يونس لعلة كانت فيه. ألا ترى أنه قيل لنبينا صلى الله عليه وسلم {ولا تكن كصحاب الحوت} (القلم: ٤٨)

وقال قوم: هم نجباء الرسل، وهم المذكورون في سورة الأنعام وهم ثمانية عشر لقوله تعالى بعد ذكرهم {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام: ٩٠)

وقال الكلبيّ هم الذين أمروا بالجهاد، وأظهروا المكاشفة مع أعداء الله تعالى وقيل: هم ستة؛ نوح وهود وصالح ولوط. وشعيب وموسى. وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء وقال مقاتل: هم ستة، نوح صبر على أذى قومه، وإبراهيم صبر على النار، وإسحاق صبر على الذبح، ويعقوب صبر على فقد ولده، وذهاب بصره ويوسف صبر في الجب والسجن، وأيوب صبر على الضرّ. وقال ابن عباس وقتادة هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، أصحاب الشرائع فهم مع محمد صلى الله عليه وسلم خمسة ونظمهم بعضهم في بيت فقال:

*محمد إبراهيم موسى كليمه ... فعيسى فنوح هم أولو العزم فاعلم*

قال البغوي: ذكرهم الله تعالى على التخصيص في قوله تعالى {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم} (الأحزاب: ٧)

وفي قوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً} (الشورى: ١٣)

الآية.

وعن مسروق قال «قالت عائشة رضي الله عنها: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم

<<  <  ج: ص:  >  >>