مقتله بل يتدرج ويضرب غير المقتل، فإن اندفع فذاك، ولا يرقى إلى درجة الإهلاك فأخبر تعالى أنه ليس المقصود دفعهم عنكم بل المقصود رفعهم من وجه الأرض؛ فإذاً ينبغي أن يكون قصدكم أولاً إلى قتلهم، بخلاف دفع الصائل. فالرقبة أظهر المقاتل وقطع الحلقوم والأوداج مستلزم للموت لكن في الحرب لا يتهيأ ذلك والرقبة ظاهرة في الحرب، ففي ضربها حز العنق، وهو مستلزم للموت، بخلاف سائر المواضع، ولا سيما في الحرب وفي قوله تعالى:{لقيتم} ما ينبىء عن مخالفتهم الصائل؛ لأن قوله تعالى {لقيتم} يدل على أنّ القصد من جانبهم، بخلاف قولنا: لقيكم ولذلك؛ قال تعالى في غير هذا الموضع {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}(البقرة: ١٩١)
{حتى إذا أثخنتموهم} أي: أكثرتم فيهم القتل، وهذه غاية الأمر بضرب الرقاب، لا لبيان غاية القتل.
{فشدّوا} أي: فأمسكوا عن القتل وأسروهم {الوثاق} أي: ما يوثق به الأسرى وقوله تعالى: {فإما مناً بعد} أي: في جميع أزمان ما بعد الأسر {وإما فداء} فيه وجهان أشهرهما: أنهما منصوبان على المصدر بفعل لا يجوز إظهاره، لأنّ المصدر متى سيق تفصيلاً لعاقبة جملة، وجب نصبه بإضمار فعل لا يجوز إظهاره، والتقدير: فإما أن تمنوا مناً أي: بإطلاقهم من غير شيء، وإما أن تفدوا فداء أي: تفادوهم بمال أو أسرى مسلمين ومثل هذا قول القائل:
والثاني: قاله أبو البقاء أنهما مفعولان بهما لعامل مقدّر تقديره: أولوهم مَنَّاً، واقبلوا منهم فداء قال أبو حيان: وليس بإعراب نحوي وقوله تعالى: {حتى تضع الحرب أوزارها} أي: أثقالها من السلاح وغيره بأن يسلم الكافر، أو يدخل في العهد، مجاز وقيل: هو من مجاز الحذف أي: أهل الحرب وهو غاية للقتل والأسر. والمعنى أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى تدخل الملل كلها في الإسلام، ويكون الدين كله لله، فلا يكون بعده جهاد ولا قتال وذلك عند نزول عيسى عليه السلام وجاء في الحديث:«الجهاد حاضر منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال» وقال الفراء حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم.
تنبيه: اختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال قوم هي منسوخة بقوله تعالى {فإمّا تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم}(الأنفال: ٥٧)
وبقوله تعالى:{فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}(التوبة: ٥)
وإليه ذهب قتادة والضحاك والسدّي وابن جريج وهو قول الأوزاعي، وأصحاب الرأي وقالوا: لا يجوز المّن على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء وذهب آخرون إلى أنّ الآية محكمة والإمام بالخيار في الرجال العاقلين من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم، أو يسترقهم أو يمنّ عليهم فيطلقهم بغير عوض. أو يفاديهم بالمال أو بأسارى المسلمين وإليه ذهب ابن عمر، وبه قال الحسن وعطاء وأكثر الصحابة والعلماء وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق قال ابن عباس رضى الله عنهما لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله تعالى في الأسارى {فإما مناً بعدوا ما فداء} وهذا هو الأصح والاختيار لأنه عمل به صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده، روى البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم خيلاً قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه في سارية من