للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأن: نسلط عليها من يحرفها فيجعل حسنها قبيحاً وقبيحها حسنا ليظهر للناس العامل لله والعامل للشيطان، فإنّ العامل لله إذا سمى قبيحه باسم الحسن علم أنّ ذلك إحسان من الله تعالى إليه فيستحي منه ويرجع، وإذا سمى حسنه باسم القبيح وأشهر به علم أنّ ذلك لطف من الله تعالى به لكي لا يدركه العجب أو يهاجمه الرياء فيزيد في إحسانه، والعامل للشيطان يزداد في القبائح، لأنّ شهرته عند الناس محط نظره ويرجع عن الحسن لأنه لم يوصله إلى ما أراد به من ثناء الناس عليه بالخير.

{إنّ الذين كفروا} أي: غطوا ما دلتهم عليه عقولهم من ظاهر آيات الله لا سيما بعد إرسال الرسول صلى الله عليه وسلم المؤيد بواضح المعجزات {وصدّوا} أي امتنعوا ومنعوا غيرهم زيادة في كفرهم {عن سبيل الله} أي الطريق الواضح الذي نهجه الملك الأعظم {وشاقوا الرسول} أي: الكامل في الرسالة المعروف غاية المعرفة. {من بعد ما تبين} أي: غاية البيان بالمعجز {لهم الهدى} بحيث صار ظاهراً بنفسه غير محتاج ما أظهره الرسول من الآيات الظاهرة وهم قريظة والنضير والمطعمون يوم بدر {لن يضروا الله} أي ملك الملوك {شيئاً} بما هم عليه من الكفر والصدّ أو لن يضرّوا رسوله صلى الله عليه وسلم بمشاقته وحذف المضاف لتعظيمه وتفظيع مشاقته {وسيحبط} أي: يفسد فيبطل بوعد لا خلف فيه {أعمالهم} من المحاسن لبنائها على غير أساس.

{يا أيها الذين آمنوا} أي: أقرّوا بألسنتهم {أطيعوا الله} أي: الملك الأعظم تصديقاً لدعواكم طاعة لشدّة الاجتهاد فيها أنها خالصة، وعظم الرسول صلى الله عليه وسلم بإفراده فقال تعالى: {وأطيعوا الرسول} لأنّ طاعته من طاعة الذي أرسله، فإذا فعلتم ذلك حصنتم أنفسكم وأعمالكم، فتكون صحيحة ببنائها على الطاعة بتصحيح النيات وتصفيتها مع الإحسان للصورة في الظاهر، ليستكمل العمل صورة وروحاً {ولا تبطلوا أعمالكم} قال عطاء بالشك والنفاق. وقال الكلبي: بالرياء والسمعة. وقال الحسن: بالمعاصي والكبائر. وقال أبو العالية: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون أنه لا يضرّ مع الإيمان ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل، فنزلت هذه الآية» فخافوا الكبائر أن تحبط الأعمال. وقال مقاتل: لا تمنوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبطلوا أعمالكم نزلت في بني أسد. قال تعالى {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} (البقرة: ٢٦٤)

وعن حذيفة فخافوا أن تحبط الكبائر أعمالهم. وعن ابن عمر: كنا نرى أنه ليس شيء من حسناتنا إلا مقبولاً حتى {نزل ولا تبطلوا أعمالكم} فقلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا الكبائر الموجبات والفواحش، حتى نزل {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: ٤٨)

فكففنا عن القول في ذلك، فكنا نخاف على من أصاب الكبائر ونرجو لمن لم يصبها. وعن قتادة: رحم الله عبداً لم يحبط عمله الصالح بعمله السيء. وعن ابن عباس: لا تبطلوا بالرياء والسمعة أعمالكم. وعنه أيضاً: بالشك والنفاق. وقيل بالعجب، فإنّ العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.

{إن الذين كفروا} أي: أوقعوا الكفر بفعلهم فعل الساتر لما دل عليه العقل من آيات الله المرئية والمسموعة {وصدّوا عن سبيل الله} أي: الملك الأعلى عن الواضح المستقيم الموصل إلى كل ما ينبغي أن يقصد كل من أراد بتماديهم على باطلهم وأذاهم لمن خالفهم {ثم ماتوا} بعد المدّ لهم في مضمارهم بالتطويل في أعمارهم {وهم} أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>