للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في الذنب في قوله تعالى: {ما تقدّم من ذنبك} فقال البقاعي: أيّ الذي تقدّم في القتال أمرك بالاستغفار له وهو ما تنتقل عنه من مقام كامل إلى مقام فوقه أكمل منه فتراه بالنسبة إلى أكملية المقام الثاني ذنباً. وكذا قوله تعالى: {وما تأخر} وقال الرازي: المغفرة المعتبرة لها درجات كما أن الذنوب لها درجات حسنات الأبرار سيئات المقرّبين، وقال عطاء الخراساني: {ما تقدّم من ذنبك} يعني ذنب أبويك آدم وحوّاء ببركتك وما تأخر ذنوب أمّتك بدعوتك.

وقال سفيان الثوري: {ما تقدّم} ما عملت في الجاهلية {وما تأخر} كل شيء لم تعمله. قال البغوي: ويذكر مثل ذلك على سبيل التأكيد، كما يقال أعطى من رآه ومن لم يره. وقيل: ما تقدّم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد.

وقيل: المراد به ترك الأفضل. وقيل: الصغائر على طريق من جوّز الصغائر على الأنبياء وقيل المراد بالمغفرة: العصمة ومعنى قوله تعالى: {وما تأخر} قيل: إنه وعد للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا يذنب بعد النبوّة. وقيل: ما تقدم على الفتح وما تأخر عنه وقيل: المراد ذنب المؤمنين. وقيل: غير ذلك. والأولى في ذلك: هو الأوّل واختلف أيضاً في النعمة في قوله تعالى {ويتم نعمته عليك} فقال البقاعي: بنقلتك من عالم الشهادة إلى عالم الغيب ومن عالم الكون والفساد إلى عالم الثبات والصلاح الذي هو أخص بحضرته وأولى برحمته وإظهار أصحابك من بعدك على جميع أهل الملل.

وقال البيضاوي: بإعلاء الدين وضم الملك إلى النبوّة. وقال الجلال المحلي: بالفتح المذكور. وقيل: إن التكاليف عند الفتح تمت حيث وجب الحج وهو آخر التكاليف والتكليف نعمة. وقيل: بإجلاء الأرض لك عن معانديك فإنّ من يوم الفتح لم يبق للنبيّ صلى الله عليه وسلم عدو فإنّ بعضهم قتل يوم بدر والباقون آمنوا واستأمنوا يوم الفتح. وقيل ويتمّ نعمته عليك في الدنيا والآخرة.

أما في الدنيا فباستجابة دعائك في طلب الفتح.

وفي الآخرة بقبول شفاعتك. وقيل غير ذلك والأوّل أولى واختلف أيضاً في معنى الهداية في قوله تعالى: {ويهديك صراطاً} أي: طريقاً {مستقيماً} أي: واضحاً جلياً. فقال البقاعي: أي بهداية جميع قومك.

ولما كانت هدايتهم من هدايته أضافها سبحانه إليه إعلاماً له أنها هداية تليق بجنابه الشريف سروراً له وقال البيضاوي: في تبليغ الرسالة وإقامة مراسم الرياسة. وقيل: يهدي بك. وقيل: يديمك على الصراط المستقيم. وقيل: جعل الفتح سبب الهداية إلى الصراط المستقيم لأنه سهل على المؤمنين الجهاد لعلمهم بفوائده العاجلة والآجلة. وقيل: المراد التعريف، أي لتعرف أنك على صراط مستقيم.

{وينصرك الله} أي: على ملوك الأمم نصراً يليق إسناده إلى اسمه المحيط بسائر العظم {نصراً عزيزاً} أي: يغلب المنصور به كل من ناوأه ولا يغلبه شيء مع دوامه فلا ذّل بعده لأنّ الأمّة التي تتصف به لا يظهر عليها أحد والدين الذي قضاه لأجله لا ينسخه شيء، فإن قيل: إنّ الله تعالى وصف النصر بكونه عزيزاً والعزيز من له النصر أجيب من وجهين:

أحدهما: قال الزمخشري: إنه يحتمل وجوهاً ثلاثة:

الأوّل: معناه نصراً ذا عزة كقولك في عيشة راضية أي ذات رضا ثانيها: وصف النصر بما يوصف به المنصور إسناداً مجازياً يقال له: كلام صادق. كما يقال له متكلم صادق. ثالثها: المراد نصراً عزيزاً صاحبه.

الوجه الثاني: أن يقال إنما يلزم ما ذكره الزمخشري إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>