للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{ليس على الأعمى} أي: في تخلفه عن الدعاء إلى الخروج مع النبيّ صلى الله عليه وسلم أو مع غيره من أئمة الهدى {حرج} أي: ميل بثقل الإثم لأنه لا يمكنه الإقدام على العدوّ والطلب ولا يمكنه الاحتراز منه ولا الهرب {ولا على الأعرج} وإن كان نقصه أدنى من نقص الأعمى {حرج} وفي معنى الأعرج الزمن المقعد والأقطع {ولا على المريض} أي: بأي مرض كان يمنعه {حرج} وفي معناه صاحب السعال الشديد والطحال الكبير والذين لا يقدرون على الكرّ والفرّ فهذه أعذار مانعة من الجهاد ظاهرة، ومن وراء ذلك أعذار أخر دون ما ذكر كتمريض المريض الذي ليس له من يقوم مقامه عليه.

تنبيه: جعل تعالى كل جملة مستقلة تأكيداً لهذا الحكم وقدم الأعمى على الأعرج لأنّ عذر الأعمى مستمر لا يمكن الانتفاع به في حرس ولا غيره بخلاف الأعرج وقدم الأعرج على المريض لأنّ عذره أشد من عذر المريض لإمكان زوال المرض عن قرب.

{ومن يطع الله} أي: المحيط بجميع صفات الكمال المفيض من آثار صفاته على من يشاء ولو كان ضعيفاً. المانع منها من يشاء وإن كان قوياً {ورسوله} من المعذورين وغيرهم فيما ندبا إليه بأيّ طاعة كانت {يدخله} أي: الله الملك الأعظم جزاء له {جنات تجري من تحتها الأنهار} أي: من أيّ موضع أردت أجريت نهراً {ومن يتولّ} أي يعرض عن الطاعة ويستمّر على الكفر والنفاق {يعذبه} أي على توليه في الدارين أو إحداهما {عذاباً أليماً} أي مؤلماً وقرأ نافع وابن عامر ندخله ونعذبه بالنون فيهما والباقون بالياء التحتية ولما بين تعالى حال المخلفين بعد قوله تعالى {إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} عاد إلى حال بيان المبايعين. بقوله تعالى:

{لقد رضي الله} أي: الذي له الجلال والكمال {عن المؤمنين} أي: الراسخين في الإيمان أي فعل بهم فعل الراضي بما جعل لهم من الفتح وما قدّر لهم من الثواب وأفهم ذلك أنه لم يرض عن الكافرين فخذلهم في الدنيا مع ما أعدّ لهم في الآخرة فالآية تقرير لما ذكر من جزاء الفريقين بأمور مشاهدة وقوله تعالى {إذ} أي: حين {يبايعونك} منصوب برضى واللام في قوله تعالى {تحت الشجرة} للعهد الذهني وكانت شجرة في الموضع الذي كان النبيّ صلى الله عليه وسلم نازلاً به في الحديبية ولأجل هذا الرضا سميت بيعة الرضوان وقصتها «أنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام حين نزل الحديبية بعث جواس بن أمية الخزاعي رسولاً إلى أهل مكة فهموا به فمنعه الأحابيش واحدها حبوش وهو الفوج من قبائل شتى فلما رجع دعا عمر ليبعثه فقال: إني أخافهم على نفسي لما أعرف من عدواتي إياهم وما بمكة عدوي يمنعني ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني وأحب إليهم عثمان بن عفان فبعثه فخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائراً لهذا البيت معظماً لحرمته فوقروه وقالوا: إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل فقال ما أفعل قبل أن يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتبس عندهم فأرجف أنهم قتلوه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نبرح حتى نناجز القوم ودعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة» روى البغوي من طريق الثعلبي «أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجرة» وقال سعيد بن المسيب: حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت

<<  <  ج: ص:  >  >>