الهاء وضم الميم وأظهر الذال عند الجيم نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم وأدغمها الباقون وقوله تعالى:{حمية الجاهلية} بدل من الحمية قبلها ووزنها فعلية وهي مصدر يقال حميت من كذا حمية وحمية الجاهلية: هي التي مدارها مطلق المنع سواء كان بحق أم باطل فتمنع من الإذعان للحق ومبتاها على التشفي على مقتضى الغضب لغير الله فتوجب تخطي حدود الشرع ولذلك أنفوا من دخول المسلمين مكة المشرّفة لزيارة البيت العتيق الذي الناس فيه سواء. قال مقاتل: قال أهل مكة قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخول علينا فتتحدّث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا واللات والعزى لا يدخلونها علينا فهذه حمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم.
{فأنزل الله} أي: الذي لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء بسبب حميتهم {سكينته} أي: الشيء اللائق إضافته إليه سبحانه من الفهم عن الله والروح الموجب لسكون القلب المؤثر للإقدام على العدوّ والنصر عليه انزالاً كافياً {على رسوله} الذي عظمته من عظمته ففهم عن الله مراده في هذه القضية فجرى على أتم ما يرضيه {وعلى المؤمنين} أي: الغريقين في الإيمان لأنهم أتباع رسوله وأنصار دينه فألزمهم قبول أمره وحماهم من همزات الشياطين ولم يدخلهم ما دخل الكفار من الحمية فيقاتلوا غضباً لأنفسهم فيتعدوا حدود الشرع {وألزمهم} أي: المؤمنين إلزام إكرام وتشريف لا إلزام إهانة وتعنيف {كلمة التقوى} فإنها السبب الأقوى وهي كل قول أو فعل ناشىء عن التقوى وأعلاه كلمة الإخلاص المتقدّمة في القتال وهي لا إله إلا الله التي هي أحق الحق ولا بدّ من قول محمد رسول الله وإلا لم يتم إسلامه وعن الحسن: كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد. ومعنى إضافتها إلى التقوى إنها سبب التقوى وأساسها، وقيل: كلمة أهل التقوى وقيل هي بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله {وكانوا} أي: جبلة وطبعاً {أحق بها} أي: كلمة التقوى من الكفار {وأهلها} أي: وكانوا أهلها في علم الله تعالى لأنّ الله تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه أهل الخير {وكان الله} أي: المحيط علماً وقدرةً {بكل شيء} من ذلك وغيره {عليماً} أي: محيط العلم وروي «أنه صلى الله عليه وسلم رأى في المنام في المدينة عام الحديبية قبل خروجه أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين ويحلقون ويقصرون فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا فلما خرجوا معه وصدّهم الكفار بالحديبية رجعوا وشق عليهم ذلك وراب بعض المنافقين فأنزل الله» .
قوله تعالى:{لقد صدق الله} أي: الذي لا كفؤ له المحيط بجميع صفات الكمال {رسوله} الذي هو أعز الخلائق عنده وهو غني عن الأخبار عما لا يكون أنه يكون فيكف إذا كان المخبر رسوله {الرؤيا} التي هي من الوحي أي صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى الله عن الكذب وعن كل قبيح علوّاً كبيراً. فحذف الجار وأوصل الفعل. كقوله تعالى:{صدقوا ما عاهدوا الله عليه}(الأحزاب: ٢٣)
وروي عن مجمع بن حارثة الأنصاري «قال شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر فقال بعضهم: ما بال الناس قالوا: أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فخرجنا نرجف فوجدنا النبيّ صلى الله عليه وسلم واقفاً على راحلته على كراع الغميم فلما اجتمع عليه الناس قرأ {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً} فقال عمر: أو فتح هو يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده» ففيه دليل على أن