محمد. ورسول الله بدل أو بيان أو نعت وأن يكون محمد مبتدأ وخبره رسول الله وقيل غير ذلك.
ولما ذكر الرسول ذكر المرسل إليهم فقال تعالى {والذين معه} أي: بمعية الصحبة من الصحابة وحسن التبعية من التابعين لهم بإحسان {أشدّاء} أي: غلاظ {على الكفار} منهم لا تأخذهم بهم رأفة بل هم معهم كالأسد على فريسته لأنّ الله تعالى أمرهم بالغلظة عليهم لا يرحمونهم {رحماء بينهم} أي: متعاطفون متوادّون كالوالد مع الولد.
كما قال تعالى {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين}(المائدة: ٥٤)
وعن الحسن بلغ من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرّزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم وبلغ من تراحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمناً إلا صافحه وعانقه، ومن حق المسلمين في كل زمان أن يراعوا هذا التذلل وهذا التعطف فيشددوا على من ليس من دينهم ويتحاموه ويعاشروا إخوانهم المؤمنين في الإسلام متعطفين بالبر والصلة والمعونة وكف الأذى والاحتمال منهم.
تنبيه: والذين معه مبتدأ خبره أشدّاء على الكفار ورحماء بينهم خبر ثان وقيل غير ذلك. ثم بين تعالى الحامل لهم على ذلك بقوله سبحانه وتعالى {تراهم} أي: أيها الناظر لهم {ركعاً سجداً} أي: دائمين الخشوع فأكثر أوقاتهم صلاة قد غلبت صفة الملكية على صفاتهم الحيوانية فكانت الصلاة آمرة بالخير مصينة عن كل نقص وضير.
ثم أشار إلى إخلاصهم بقوله تعالى {يبتغون} أي: يطلبون بذلك وغيره من جميع أحوالهم بغاية جهدهم تغليباً لعقولهم على شهواتهم وحظوظهم {فضلاً} أي: زيادة من الخير {من الله} أي: الذي له الإحاطة بصفات الكمال من الجلال والجمال الذي أعطاهم ملكة العظمة على الكفار بما وهبهم من جلاله والرأفة على أوليائه {ورضواناً} أي: رضاً منه عظيماً بما نالهم من رحمته التي هيأهم بها للإحسان إلى عياله فنزعوا الهوى من صدورهم فصاروا يرونه وحده سيدهم المحسن إليهم لا يرون سيداً غيره ولا محسن سواه.
ثم بين كثرة صلاتهم. بقوله تعالى:{سيماهم} أي: علامتهم التي لا تفارقهم {في وجوههم} ثم بين تعالى العلامة بقوله {من أثر السجود} وهو نور وبياض في وجوههم يوم القيامة كما قال تعالى {يوم تبيض وجوه وتسودّ وجوه}(آل عمران: ١٠٦)
رواه عطية العوفيّ عن ابن عباس. وعن أنس هو استنارة وجوههم من كثرة صلاتهم. وقال شهر بن حوشب: تكون مواضع السجود من وجوههم كالقمر ليلة البدر. وقال مجاهد هو السمت الحسن والخشوع والتواضع والمعنى أنّ السجود أورثهم الخشوع والسمت الحسن الذي يعرفون به. وقال الضحاك: هو صفرة الوجه. وقال الحسن: إذا رأيتهم حسبتهم مرضى وما هم بمرضى. وقال عكرمة: هو أثر التراب على الجباه. قال أبو العالية: لأنهم يسجدون على التراب لا على الثياب. وقال عطاء: استنارت وجوههم من طول ما صلوا بالليل لأنّ من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.
قال بعضهم: دخل في هذه الآية كل من حافظ على الصلوات الخمس. قال البقاعي: ولا يظن أنّ من السيما ما يصنعه بعض المرائين من أثر هيئة السجود في جبهته فإنّ ذلك من سيما الخوارج. وفي نهاية ابن الأثير في تفسير الثقات ومنه حديث أبي الدرداء أنه رأى رجلاً بين عينيه مثل ثغنة البعير فقال: لو لم يكن هذا كان خيراً يعني كان على جبهته أثر السجود