للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

النسك في شيء» .

وعن مسروق عن عائشة رضى الله عنها: أنه في النهي عن صوم يوم الشك. أي لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم. وعن ابن الزبير: «أنه قدم ركب من بني تميم على النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أمّر القعقاع بن معبد بن زرارة وقال عمر بل أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي. فقال عمر: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت هذه الآية» . قال ابن الزبير: فكان عمر لا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه. وعن ابن أبي مليكة: نزل {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} وهذا أنسب. وقال الضحاك: يعني في القتال وشرائع الدين أي لا تقطعوا أمراً دون الله ورسوله. قال الرازي: والأصح أنه إرشاد عام يشمل الكل ومنع مطلق يدخل فيه كل افتيات وتقدّم واستبداد بالأمر وإقدام على فعل غير ضروري من غير مشاورة.

تنبيه: معنى بين يدي الله ورسوله أي: بحضرتهما لأنّ ما بحضرة الإنسان فهو بين يديه ناظر إليه. وحقيقة قولهم جلست بين يدي فلان أن يجلس بين الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريباً منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسعاً. كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره وداناه في غير موضع، وقد جرت هذه العبارة هنا على ضرب من المجاز، وهو الذي يسميه أهل البيان تمثيلاً.

وقيل: المراد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الله تعالى تعظيم له وإشعار بأنه من الله تعالى بمكان يوجب إجلاله {واتقوا الله} اجعلوا بينكم وبين غضب الملك الأعظم وقاية، فإنّ التقوى مانعة من أن تضيعوا حقه وتخالفوا أمره أو تقدموا على شيء لم تعلموا رضاه فيه {إن الله} أي: الذي له الإحاطة بصفات الكمال {سميع} لأقوالكم {عليم} بأعمالكم.

ونزل فيمن رفع صوته عند النبيّ عليه الصلاة والسلام.

{يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} أي: في شيء من الأشياء عند النطق إذا نطقتم {فوق صوت النبيّ} إذا نطق.

تنبيه: في إعادة النداء فوائد: منها أنّ في ذلك بيان زيادة الشفقة على المسترشد كقول لقمان لابنه: {يا بنيّ لا تشرك بالله} (لقمان: ١٣) ، {يا بنيّ إنها إن تك} (لقمان: ١٦) ، {يا بنيّ أقم الصلاة} (لقمان: ١٧) ، لأنّ النداء تنبيه للمنادي ليقبل على استماع الكلام ويجعل باله منه، فإعادته تفيد تجدد ذلك ومنها أن لا يتوهم أن المخاطب ثانياً غير المخاطب أولاً فإن من الجائز أن يقول القائل: يا زيد افعل كذا وكذا يا عمرو. فإذا أعاد مرة أخرى وقال: يا زيد قل يا زيد قل كذا وقل كذا يعلم أن المخاطب أولاً هو المخاطب ثانياً. ومنها أن يعلم أن كل واحد من الكلامين مقصود ليس الثاني تأكيداً للأوّل كقولك: يا زيد لا تنطق ولا تتكلم إلا بالحق وأنه لا يحسن أن يقول يا زيد لا تنطق يا زيد لا تتكلم، كما يحسن عند اختلاف المطلوبين {ولا تجهروا له بالقول} أي: إذا كلمتموه سواء كان ذلك مثل صوته أو أخفض من صوته، فإنّ ذلك غير مناسب لما يهاب به العظماء ويوقر الكبراء {كجهر بعضكم لبعض} أي: ولا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم بل اجعلوا أصواتكم أخفض من ذلك فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم يظهر فرق بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين غيره.

فإن قيل: ما الفائدة في ولا تجهروا بعد لا ترفعوا؟.

أجيب: بأن المنع من رفع الصوت هو أن لا يجعل كلامه أو صوته أعلى من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم وصوته والنهي عن الجهر منع من المساواة.

<<  <  ج: ص:  >  >>