البغي عن أهل الجمل وصفين أمشركون. فقال: لا من الشرك فرّوا فقيل: أمنافقون هم فقال: لا إنّ المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما حالهم قال: إخواننا بغوا علينا.
والباغي في الشرع هو الخارج عن الإمام العدل بتأويل محتمل وشوكة لهم ومطاع تحصل به قوّة الشوكة، وإن لم يكن لهم إمام والحكم فيهم أن يبعث إليهم الإمام أميناً فطناً ناصحاً ينصحهم ما ينقمون فإن ذكروا مظلمة أو شبهة أزالها وإن أصروا نصحهم ثم أعلمهم بالقتال، فإن استمهلوا اجتهد وفعل ما رآه صواباً.
والحكم في قتالهم أن لا يتبع مدبرهم ولا يقتل أسيرهم ويرد سلاحهم وخيلهم إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت عائلتهم ولا يستعمل في قتال إلا لضرورة ولا يقاتلون بعظيم كنار ومنجنيق إلا لضرورة، ولو أقاموا حدّ أو أخذوا زكاة وجزية وخراجاً وفرّقوا أسهم المرتزقة على جندهم صح ما فعلوه، وما أتلفه باغ على عادل وعكسه إن كان بسبب قتال فلا ضمان على واحد منهما، وإلا فعلى المتلف الضمان. قال ابن سهل: كانت في تلك الفتنة دماء يغرق في بعضها القاتل والمقتول وأتلف فيها أموال ثم صار الناس إلى أن سكنت الحرب بينهم وجرى الحكم عليهم فما رأيته اقتص من أحد ولا أغرم مالاً أتلفه ولو أظهر قوم رأي الخوارج كترك الجماعات وتكفير ذي كبيرة ولم يقاتلوا فلا نتعرّض لهم.
روي أنّ علياً سمع رجلاً يقول في ناحية المسجد. لا حكم إلا لله تعالى. فقال عليّ رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاثة لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دام أيديكم مع أيدينا ولا نبدئكم بقتال فإن قاتلوا فحكمهم حكم قطاع الطريق، وتفريعات أحكام البغاة مذكورة في الفقه. وفي هذا القدر كفاية.
واختلف في سبب نزول قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا} أي: أوقعوا الإقرار بالتصديق {لا يسخر} أي: لا يهزأ والسخرية: هي أن لا ينظر الإنسان إلى أخيه بعين الإجلال ولا يلتفت إليه ويسقطه عن درجته {قوم} أي: ناس فيهم قوة المحاولة وهم الرجال وفي التعبير بذلك تنبيه على قيام الإنسان على نفسه وكفها عما تريده من النقائص منكراً لما أعطاه الله تعالى من القوّة {من قوم} أي: من رجال، فإنّ ذلك يوجب الشرّ لأنّ أضعف الناس إذا استهزئ به قوي لما يثور عنده من حظ النفس.
فقال ابن عباس:«نزلت في ثابت بن قيس كان في أذنه وقر أي ثقل فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول فأقبل ذات يوم وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر فلما انصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم من الصلاة أخذ أصحابه مجالسهم فضنّ أي بخل كل رجل منهم بمجلسه فلا يكاد يوسع أحد لأحد فكان الرجل إذا جاء فلم يجد مجلساً قام قائماً فلما فرغ ثابت من صلاته أقبل نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطى رقاب الناس ويقول تفسحوا تفسحوا فجعلوا يتفسحون حتى انتهى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبينه وبينه رجل فقال له: تفسح فقال الرجل: قد أصبت مجلساً فاجلس. فجلس ثابت خلفه مغضباً فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل فقال: من هذا. فقال له: أنا فلان فقال له ثابت: ابن فلانة ذكر أمّاً له كان يعير بها في الجاهلية فنكس الرجل رأسه فاستحيا فأنزل الله تعالى هذه الآية» .