إلا للعالم فالتقي العالم أثمر علمه، والعالم الذي لا يتقي كشجرة لا ثمر لها، لكن الشجرة المثمرة أشرف من التي لا تثمر، بل هي حطب. قال الحسن البصري: إنما الفقيه العامل بعلمه أي وهو المراد من قوله صلى الله عليه وسلم «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» ومن قوله عز من قائل {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}(الزمر: ٩)
فإن قيل: خطاب الناس بقوله تعالى {أكرمكم} يقتضي اشتراك الكل في الإكرام ولا كرامة لكافر فإنه أضلّ من الأنعام أجيب بأنّ ذلك غير لازم مع أنه حاصل لدليل قوله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}(الإسراء: ٧٠)
لأنّ كل من خلق فقد اعترف بربه ثم من استمرّ عليه وزاد زيد في كرامته ومن رجع عنه أزيل عنه أكثر الكرامة {إن الله} أي: المحيط بكل شيء علماً وقدرة {عليم} أي: بالغ العلم بظواهركم يعلم أنسابكم {خبير} أي: محيط العلم ببواطنكم لا تخفى عليه أسراركم فجعلوا التقوى رداءكم
ولما قال تعالى:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم} والتقى لا يكون إلا بعد حصول التقوى وأصله الإيمان والإتقاء من الشرك.
{قالت الأعراب} أي: أهل البادية من بني أسد وغيرهم الذين هم معدن الغلظة والجفاء {آمنا} أي: بجميع ما جئت به فامتثلنا ما أمرنا به في هذه السورة ولنا النسب الخالص فنحن أشرف من غيرنا من أهل المدر {قل} يا أشرف الخلق تكذيباً لهم مع مراعاة الأدب في عدم التصريح بالتكذيب {لم تؤمنوا} أي: لم تصدّق قلوبكم لأنكم لو آمنتم لم تمنوا لأنّ الإيمان التصديق بجميع ما لله من الكمال الذي منه أنه لولا منه بالهداية لم يحصل الإيمان فله ولرسوله الذي كان ذلك على يديه المنّ والفضل {ولكن قولوا أسلمنا} أي: أظهرنا الانقياد في الظاهر للأحكام الظاهرة وأمنا من أن نكون حرباً للمؤمنين وعوناً للمشركين، فأخبر الله تعالى أنّ حقيقة الإيمان هو التصديق بالقلب وإن الإقرار باللسان وإظهار شرائعه بالأبدان لا يكون إيماناً دون التصديق بالقلب والإخلاص فالإسلام هو الدخول في السلم كما يقال أشتى إذا دخل في الشتاء وأصاف إذا دخل في الصيف وأربع إذا دخل في الربيع فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان والأبدان والجنان كقوله عز وجل لإبراهيم {أسلم قال أسلمت لرب العالمين}(البقرة: ١٣١)
ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب وذلك قوله تعالى:{ولكن قولوا أسلمنا}{ولما يدخل الإيمان} أي: المعرفة التامّة لم تدخل إلى هذا الوقت {في قلوبكم} فلا يعدّ إقرار اللسان إيماناً إلا لمواطأة القلب قال ابن برجان: فعموم الناس وأكثر أهل الغفلة مسلمون غير مؤمنين.
وعن سعد بن أبي وقاص «قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً وأنا جالس فيهم فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً منهم لم يعطه وهو أعجبهم إليّ فقمت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساررته.
فقلت: مالك عن فلان والله إني لأراه مؤمناً. فقال صلى الله عليه وسلم أو مسلماً ذكر ذلك سعد ثلاثاً وأجابه بمثل ذلك ثم قال: إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه خشية أن يكب في النار على وجهه» .
وقال الرازي: المسلم والمؤمن واحد عند أهل السنة. فنقول الفرق بين العام والخاص: أنّ الإيمان لا يحصل إلا بالقلب والانقياد قد يحصل بالقلب وقد يحصل باللسان فالإسلام أعمّ لكن العامّ في صورة الخاص متحد مع الخاص، ولا يكون أمراً آخر غيره. مثاله الحيوان في صورة الإنسان أمر لا ينفك عن