للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليكم} أي: الصبر والجزع فإنّ صبركم لا ينفعكم. وقوله تعالى: {إنما تجزون ما كنتم تعملون} تعليل للاستواء فإنه لماكان الجزاء واجباً كان الصبر وعدمه سيين في عدم النفع.

ولما ذكر ما للمكذبين من العذاب أتبعه ما لأضدادهم من الثواب فقال تعالى {إن المتقين} أي: الذين صارت التقوى لهم صفة راسخة {في جنات} أي: بساتين أية بساتين دائماً في الدنيا حكماً وفي الآخرة حقيقة {ونعيم} أيّ: نعيم في العاجل يعني بما لهم فيه من الأنس وفي الآجل بالفعل.

وزاد في تحقيق التنعم بقوله تعالى {فاكهين} أي: متلذذين معجبين ناعمين {بما آتاهم} أي: أعطاهم {ربهم} الذي تولى تربيتهم بعملهم بالطاعات إلى أن أوصلهم إلى هذا النعيم {ووقاهم} أي: قبل ذلك {ربهم} أي: المتفضل بتربيتهم بكفهم عن المعاصي والقاذورات {عذاب الجحيم} أي النار الشديدة التوقد.

ولما كان من باشر النعمة وجانب النقمة في غنى عظيم قال مترجماً لذلك على تقدير القول {كلوا} أي: أكلاً هنيئاً {واشربوا} أي: شرباً {هنيئاً} وهو الذي لا تنغيص فيه فكل ما تتناولونه مأمون العاقبة من التخم والسقم وغيرهما {بما} أي: بسبب ما {كنتم} أي: كوناً راسخاً {تعملون} أي: مجددين العمل على سبيل الاستمرار حتى كأنه طبع لكم.

ثم نبه على أنهم مع هذا النعيم مخدومون بقوله تعالى {متكئين} أي: مستندين استناد راحة لأنهم يخدمون فلا حاجة لهم إلى الحركة {على سرر مصفوفة} أي: منصوبة واحداً إلى جنب واحد مستوية كأنها الستور على أحسن نظام وأبدعه.

ثم نبه على تمام سرورهم بالتمتع بالنساء بقوله تعالى {وزوجناهم} أي: تزويجاً يليق بما لنا من العظمة أي صيرناهم ممتعين {بحور} أي: نساؤهنّ في شدّة بياض العين وسوادها واستدارة حدقتها ورقة جفونها في غاية حسن لا توصف {عين} أي: واسعات الأعين في رونق وحسن.

تنبيه: اعلم أنه تعالى بين أسباب التنعم على الترتيب فأوّل ما يكون المسكن وهو الجنان، ثم الأكل والشرب ثم الفرش والبسط ثم الأزواج فهذه أمور أربعة ذكرها الله تعالى على الترتيب، وذكر في كل واحد منها ما يدل على كماله فقوله: {جنات} إشارة إلى المسكن وقال {فاكهين} إشارة إلى عدم التنغيص وعلوّ المرتبة لكونه مما آتاهم الله. وقال: {كلوا واشربوا هنيئاً} أي مأمون العاقبة وترك ذكر المأكول والمشروب دلالة على تنويعهما وكثرتهما. وقوله تعالى {بما كنتم تعملون} إشارة إلى أنه تعالى يقول: إني مع كوني ربكم وخالقكم وأدخلتكم الجنة بفضلي فلا منة لي عليكم اليوم وإنما منتي عليكم كانت في الدنيا هديتكم ووفقتكم للأعمال الصالحة كما قال تعالى {بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان} (الحجرات: ١٧)

وأمّا اليوم فلا منة عليكم لأنّ هذا إنجاز الوعد.

وقوله تعالى: {والذين آمنوا} أي: أقرّوا بالإيمان وإن لم يبالغوا في الأعمال الصالحة مبتدأ وقرأ أبو عمرو {وأتبعناهم} أي بما لنا من الفضل الناشىء عن العظمة بقطع الهمزة وسكون التاء الفوقية وسكون العين وبعد العين نون مفتوحة بعدها ألف والباقون بهمزة وصل محذوفة وتشديد التاء الفوقية وفتح العين وبعدها تاء فوقية ساكنة وهو معطوف على آمنوا {ذرياتهم} أي: الصغار والكبار فالكبار بإيمانهم بأنفسهم والصغار بإيمان آبائهم، فإنّ الولد الصغير يحكم بإسلامه تبعاً لأحد أبويه {بإيمان} أي بسبب إيمان حاصل منهم ولو كان في أدنى درجات الإيمان ولكنهم ثبتوا عليه إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>