تقرّبت إليه باعاً ومن مشى إليّ أتيته هرولة» وهذا إشارة إلى المعنى المجازي قال البغوي: وروينا في قصة المعراج من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس: فدنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى وهذه رواية أبي سلمة عن ابن عباس وقال مجاهد: دنا جبريل من ربه وقد قدّمت الكلام على المعراج وعلى جواز رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه في أوّل الإسراء. وقال الضحاك: دنا محمد صلى الله عليه وسلم من ربه عز وجلّ فتدلى فأهوى للسجود فكان منه قاب قوسين أو أدنى وتقدّم الكلام على القاب، والقوس: ما يرمى به في قول مجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس، فأخبر أنه كان بين جبريل عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم مقدار قوسين. وقال مجاهد: معناه حيث الوتر من القوس وهذا إشارة إلى تأكيد القرب والأصل في ذلك أنّ الحليفين من العرب كانا إذا أراد الصفاء والعهد خرجا بقوسيهما فالصقا بينهما يريدان بذلك أنهما متظاهران يحامي كل واحد منهما عن صاحبه، وقال عبد الله بن مسعود: قاب قوسين قدر ذراعين وهو قول سعيد بن جبير، والقوس الذراع يقاس بها كل شيء أو أدنى بل أقرب وإنما ضرب المثل بالقوس لأنها لا تختلف بالقاب.
{فأوحى} أي: الله تعالى وإن لم يجر له ذكر لعدم اللبس {إلى عبده} أي: جبريل عليه السلام {ما أوحى} أي: جبريل عليه السلام إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يذكر الموحي تفخيماً لشأنه وهذا التفسير ما جرى عليه الجلال المحلي وهو ظاهر، وقيل: فأوحى إلى جبريل بسبب هذا القرب وعقبه إلى عبده أي عبد الله ما أوحى أي جبريل وقيل: الضمائر كلها لله تعالى وهو المعني بشديد القوى كما في قوله تعالى: {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين}(الذاريات: ٥٨)
ودنوه منه برفع مكانته وتدليه جذبه بكليته إلى جانب القدس، واختلف في الموحى على أقوال الأول قال سعيد ابن جبير: أوحى إليه {ألم يجدك يتيماً}(الضحى: ٦)
إلى قوله تعالى:{ورفعنا لك ذكرك}(الشرح: ٤)
الثاني: أوحى إليه الصلاة. الثالث: أن أحداً من الأنبياء لا يدخل الجنة قبلك وأنّ أمة من الأمم لا تدخلها قبل أمتك. الرابع: أنه مبهم لا يطلع عليه أحد وتعبدنا به على الجملة. الخامس: أنّ ما للعموم والمراد كل ما جاء به جبريل.
{ما كذب الفؤاد} أي: فؤاد النبيّ صلى الله عليه وسلم {ما رأى} أي: ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام، وهذا أيضاً ما جرى عليه الجلال المحلي. وقال البقاعي: ما رأى البصر أي حين رؤية البصر كأنه حاضر القلب لا أنها رؤية بصر فقط يمكن فيها الخلو عن حضور القلب وقال القشيري ما معناه: ما كذب فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ما رآه ببصره على الوصف الذي علمه قبل أن رآه، فكان علمه حق اليقين وقرأ هشام بتشديد الذال والباقون بالتخفيف.
وقوله تعالى:{أفتمارونه} أي: تجادلونه وتغلبونه {على ما يرى} خطاب للمشركين المكذبين رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلم لجبريل، وهذا ما قاله ابن مسعود وعائشة. ومن قال: إنّ المرئي هو الله تعالى اختلفوا في معنى الرؤية فقال بعضهم: جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده وهو قول ابن عباس قال: رآه بفؤاده مرّتين ما كذب الفؤاد ما رأى، وقال أنس والحسن وعكرمة: رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل بعينه، وروى عكرمة عن ابن عباس قال: إنّ الله تعالى اصطفى إبراهيم عليه السلام بالخلة واصطفى في موسى عليه السلام بالكلام واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بالرؤية