والضفادع، والدم.
فإن قيل كيف قال: {ولقد جاء} ولم يقل في غيره جاء؟ أجيب: بأنّ موسى عليه السلام لما جاء كان غائباً عن القوم، فقدم عليهم كما قال تعالى: {فلما جاء آل لوط المرسلون} (الحجر: ٦١)
وقال تعالى: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم} لأنه جاءهم من عند الله من السموات بعد المعراج، كما جاء موسى قومه من الطور؛ والنذر: الرسل ولقد جاءهم يوسف وبنوه إلى أن جاءهم موسى عليه السلام، وقيل: النذر: الإنذارات
تنبيه: ههنا همزتان مفتوحتان من كلمتين فقرأ أبو عمرو وقالون: بإسقاط الهمزة الأولى مع المدّ والقصر؛ وسهل ورش وقنبل الهمزة الثانية؛ ولهما أيضاً إبدالها ألفاً وورش على أصله في الهمزة المسهلة؛ ومدّ بعد الجيم حمزة وابن ذكوان، والباقون بالفتح؛ وإذا وقف حمزة وهشام أبدلا الهمزة ألفاً مع المدّ والتوسط والقصر؛ {فأخذناهم} أي: بما لنا من العظمة بنحو ما أخذنا به قوم نوح من الإغراق {أخذ عزيز} أي: لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء {مقتدر} أي: لا يعجل بالأخذ لأنه لا يخاف الفوت ولا يخشى معقباً لحكمه بالغ القدرة إلى حد لا يدرك الوصف كنهه.
ثم خوّف كفار مكة فقال تعالى: {أكفاركم} أي: الراسخون منكم يا أهل مكة في الكفر الثابتون عليه، يا أيها المكذبون، لهذا النبيّ الكريم الساترون لشموس دينه {خير} في الدنيا بالقوة والكثرة، أو في الدين عند الله أو عند الناس {من أولئكم} أي: المذكورين من قوم نوح إلى فرعون الذين وعظناكم بهم في هذه السورة؟ وهذا استفهام بمعنى الإنكار أي ليسوا بأقوى منهم فمعناه نفي أي ليس كفاركم خيراً من كفار من تقدم من الأمم الذين أهلكوا بكفرهم.
تنبيه: قوله تعالى: {خير} مع أنّه لا خير فيهم إما أن يكون كقول حسان:
*فشر كما لخير كما الفداء*
أو هو بحسب زعمهم واعتقادهم؛ أو المراد بالخير شدّة القوّة؛ أو لأنّ كل ممكن فلا بدّ وأن يكون له صفات محمودة، فالمراد تلك الصفات {أم لكم} أي: يا أهل مكة {براءة في الزبر} أي: أنزل إليكم من الكتب السماوية أنّ من كفر منكم فهو في أمان من عذاب الله تعالى والاستفهام هنا أيضاً بمعنى النفي أي ليس الأمر كذلك.
{أم يقولون} أي: كفار قريش {نحن جميع} أي جمع واحد مبالغ في اجتماعه فهو في الغاية من الضم فلا افتراق له {منتصر} أي على كل من يعاديه، لأنهم على قلب رجل واحد ولم يقل منتصرون لموافقة رؤوس الآي.
ولما قال أبو جهل يوم بدر: إنا جميع منتصر نزل {سيهزم الجمع} بأيسر أمر بوعد لا خلف فيه. وقال مقاتل: ضرب أبو جهل يوم بدر فرسه فتقدم من الصف وقال: نحن ننتصر اليوم على محمد وأصحابه فأنزل الله تعالى: {أم يقولون نحن جميع منتصر} وقال سعيد بن المسيب: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لما نزلت {سيهزم الجمع ويولون الدبر} ، كنت لا أدري أي جمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في درعه ويقول: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} فهزموا ببدر ونصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل الأدبار لموافقة رؤوس الآي.
{بل الساعة} أي: القيامة التي يكون فيها الجمع الأكبر والهول الأعظم {موعدهم} أي: للعذاب {والساعة أدهى} أي من كل ما يفرض وقوعه في الدنيا وأدهى أفعل تفضيل من الداهية، وهي أمر هائل لا يهتدي لدوائه فهي أمر عظيم؛ يقال: دهاه أمر كذا أي أصابه دهواً ودهياً؛