للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من الدنيا إلى القبور ثم يرتحلون جميعاً إلى الله تعالى. وقيل: نزلت في اليهود حين قالوا إنّ الله لا يقضي يوم السبت شيئاً.

وسأل بعض الملوك وزيره عن هذه الآية فاستمهله إلى الغد وذهب كئيباً يتفكر فيها، فقال له غلام أسود: يا مولاي أخبرني ما أصابك لعل الله تعالى يسهل لك على يدي؛ فأخبره فقال: أنا أفسرها للملك فأعلمه فقال أيها الملك شأن الله تعالى أن يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحيّ، ويشفي سقيما، ويسقم صحيحا، ويبتلي معافى، ويعافي مبتلى، ويعز ذليلا، ويذل عزيزا، ويفقر غنيا، ويغني فقيرا، فقال الأمير: أحسنت، وأمر الوزير أن يخلع عليه ثياب الوزارة، فقال: يا مولاي هذا من شأن الله تعالى.

وعن عبد الله بن طاهر: أنه دعا الحسين بن الفضل وقال له أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشف لي قوله تعالى: {فأصبح من النادمين} (المائدة: ٣١)

وقد صح أنّ الندم توبة. وقوله تعالى: {كل يوم هو في شان} وصح أنّ القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة وقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} (النجم: ٣٩)

فمعناه ليس له إلا ما يسعى فما بال الأضعاف؟ قال الحسين: يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمة، ويكون في هذه الأمة لأنّ الله تعالى خص هذه الأمة بخصائص لم تشاركهم فيها الأمم. وقيل: إنّ ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ولكن على حمله، وأما قوله تعالى {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} فمعناه أنه ليس له إلا ما يسعى عدلاً ولي أن أجزيه بواحدة ألفاً فضلاً، وأما قوله تعالى: {كل يوم هو شان} فإنها شؤون يبديها لاشؤون يبتديها؛ فقام عبد الله: فقبل رأسه وسوغ خراجه.

{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} المدبر لكما هذا التدبر العظيم {تكذبان} أي: أبتلك النعم أم بغيرها؟.

{سنفرغ لكم} أي سنقصد لحسابكم وجزائكم؛ وقرأ حمزة والكسائي: بعد السين بالياء التحتية والباقون بالنون {أيه الثقلان} أي: الإنس والجنّ وذلك يوم القيامة فإنه تعالى لا يفعل ذلك في غيره قال القرطبي: يقال فرغت من الشغل أفرغ فراغاً وفروغاً وتفرّغت لكذا واستفرغت مجهودي في كذا أي بذلت وليس بالله تعالى شغل يفرغ منه؛ وإنما المعنى سنقصد لمجازاتكم ومحاسبتكم فهو وعيد لهم وتهديد قاله ابن عباس والضحاك؛ كقول القائل لمن يريد تهديده: إذا أتفرّغ لك أي أقصدك وأنشد ابن الأنباري لجرير:

*الآن وقد فرغت إلى نمير ... فهذا حين كنت لهم عذابا*

يريد: وقد قصدت، وأنشد الزجاج والنحاس:

*فرغت إلى العبد المقيد في الحجل*

وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم «أنه لما بايع الأنصار ليلة العقبة صاح الشيطان: يا أهل الحباحب هذا مذمم يبايع بني قيلة على حربكم، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا أزبّ العقبة أما والله يا عدوّ الله لأتفرغنّ لك» أي: أقصد إلى إبطال أمرك. وهذا اختيار الكسائي وغيره. قال ابن الأثير الأزبّ في اللغة الكثير الشعر؛ وهو ههنا شيطان اسمه أزبّ العقبة وهو الحية. وقيل: إنّ الله تعالى وعد على التقوى وأوعد على الفجور ثم قال تعالى: {سنفرغ لكم أيها الثقلان} أي ما وعدناكم ونوصل كلاً إلى ما وعدناه أقسم ذلك وأتفرّغ منه قاله الحسن ومقاتل وابن زيد.

تنبيه: رسمْ {أيه} بغير ألف فإذا وقف عليها وقف أبو عمرو والكسائي أيها بالألف ووقف الباقون على الرسم أيه وفى

<<  <  ج: ص:  >  >>