{فبأي آلاء} أي: نعم {ربكما} أي: المربي لكما الذي يقدر على كلّ ما يريده {تكذبان} أمن قدرته على عطف الأغصان وتقريب الثمار أم من غيرها؟.
ولما كان ما ذكر لا تتم نعمته إلا بالنسوان الحسان قال تعالى:{فيهنّ} أي الجنان التي علم مما مضى أنّ لكلّ فرد من الخائفين منها جنتين، فصح الجمع؛ وقال الزمخشري فيهنّ في هذه الآلاء المعدودة من الجنتين والعينين والفاكهة والفرش والجنى، أو في الجنتين لاشتمالهما على أماكن وقصور ومجالس ا. هـ. قال أبو حيان: وفيه أي: الأوّل بعد لأن الاستعمال أن يقال على الفراش كذا، ولا يقال في الفراش كذا إلا بتكلف ولذلك جمع الزمخشري مع الفرش غيرها حتى صح له أن يقول ذلك؛ وقيل يعود على الجنتين لأن أقل الجمع اثنان وقال الفراء كل موضع في الجنة جنة فلذلك صح أن يقال فيهنّ {قاصرات الطرف} أي: الأعين على أزواجهنّ المتكئين من الأنس والجنّ.
قال الرازي وقوله قاصرات الطرف أي نساء وأزواج فحذف الموصوف لنكتة وهي أنه تعالى لم يذكرهنّ باسم الجنس وهو النساء بل بالصفات، فقال تعالى:{حور عين}(الواقعة: ٢٢)
{كواعب أترابا}(النبأ: ٣٣)
{قاصرات الطرف}{حور مقصورات}(الرحمن: ٧٢)
ولم يقل: نساء عربا ولا نساء قاصرات لوجهين: أما على عادة العظماء كبنات الملوك إنما يذكرن بأوصافهنّ؛ وإما لأنهنّ لما كملن كأنهنّ خرجن عن جنسهنّ.
وقوله تعالى:{قاصرات الطرف} يدلّ على عفتهنّ وعلى حسن المؤمنين في أعينهنّ فيحببن أزواجهنّ حباً شديد يشغلهنّ عن النظر إلى غيرهم. قال ابن زيد: تقول لزوجها: وعزة ربي ما أرى في الجنة أحسن منك فالحمد الله الذي جعلك زوجي وجعلني زوجك، ويدلّ أيضاً على الحياء لأن الطرف حركة الجفن والحيية لا تحرّك جفنها ولا ترفع رأسها.
تنبيه: انظر إلى حسن هذا الترتيب فإنه تعالى بين أولاً: المسكن وهو الجنة، ثم بين ما يتنزه به وهو البستان والأعين الجارية، ثم ذكر المأكول فقال تعالى:{فيهما من كل فاكهة} ثم ذكر موضع الراحة بعد الأكل وهو الفراش، ثم ذكر ما يكون في الفراش معه.
ولما كان الاختصاص بالشيء من أعظم الملذذات لا سيما المرأة قال تعالى {لم يطمثهنّ} أي: لم يجامعهنّ ويتسلط عليهنّ؛ يقال طمثت المرأة كضرب وفرح حاضت، وطمثها الرجل افتضها، وأيضاً جامعها {إنس قبلهم} أي: المتكئين {ولا جان} فكأنه قال: هنّ أبكار لم يخالطهنّ أحد فإنّ هذا جمع كلّ من يمكن منه جماع، وفي ذلك دليل على أنّ الجني يغشى كما يغشى الإنسي ويدخل الجنة ويكون لهم فيها جنتان، قال ضمرة: للمؤمنين منهم أزواج من الحور فالإنسيات للإنس والجنيات للجنّ، وقال مقاتل لأنهنّ خلقن في الجنة فعلى قوله يكونون من حور الجنة؛ وقال الشعبي: من نساء الدنيا لم يمسسهن منذ أنشئن خلق وهو قول الكلبي. أي: لم يجامعهنّ في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان؛ وأمّا في الدنيا فقال مجاهد: إذا جامع الرجل ولم يسمّ ينطوي الجني على إحليله فيجامع معه. وقال القرطبي: لم يطمثهن لم يصبهنّ بالجماع قبل أزواجهنّ أحد، وهذا شامل لنساء الجنة ولنساء الدنيا بعد إنشائهنّ خلقاً جديداً، وقرأ الكسائي: يطمثهنّ بضم الميم في الموضعين بخلاف عنه وتخييراً في أحدهما، وهما لغتان: يقال طمثها يطمثها ويطمثها إذا جامعها.