الطويل والعمر الطويل والشيء الذي لا ينقطع ممدود قال الشاعر:
*غلب العزاء وكان غير مغلب ... دهر طويل دائم ممدود*
وفي صحيح الترمذي وغيره، عن أبي هريرة رضى الله عنه: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها، واقرؤوا إن شئتم {وظلّ ممدود} » في هذا الحديث ردّ على من يقول: إنّ الأشجار لا ظل لها وقد سئل السبكي عن الرجل الذي هو آخر أهل الجنة دخولاً إذا تراءت له شجرة يقول: يا رب أدنني من هذه لأستظل في ظلها، الحديث من أيّ شيء يستظل والشمس قد كورت؟ أجاب بقوله تعالى:{وظلّ ممدود} وبقوله تعالى: {هم وأزواجهم في ظلال}(يس: ٥٦)
إذ لا يلزم من تكوير الشمس عدم الظل لأنه مخلوق لله تعالى وليس بعدم بل أمر وجودي له نفع بإذن الله تعالى في الأبدان وغيرها. فليس الظل عدم الشمس كما قد يتوهم؛ وروى عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما في قوله تعالى:{وظلّ ممدود} قال شجرة في الجنة يخرج إليها أهل الجنة فيتحدّثون، ويشتهي بعضهم لهو الدنيا فيرسل الله تعالى عليهم ريحاً من الجنة فتتحرك تلك الشجرة بكل لهو في الدنيا {وماء مسكوب} أي: جار في منازلهم في غير أخدود لا يحتاجون فيه إلى جلب ماء من الأماكن البعيدة ولا إدلاء في بئر كأهل البوادي، فإن العرب كانت أصحاب بادية وبلاد حارّة، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدلو والرشاء فوعدوا في الجنة خلاف ذلك {فاكهة كثيرة} أي: أجناسها وأنواعها وأشخاصها {لا مقطوعة ولا ممنوعة} قال ابن عباس رضى الله عنهما: لا تنقطع إذا جنيت، ولا تمتنع من أحد إذ أراد أخذها، وقال بعضهم: لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالأثمان كما تنقطع أكثر ثمار الدنيا إذا جاء الشتاء، ولا يتوصل إليها إلا بالثمن؛ وقيل: لا يمنع من أرادها شوك ولا بعد ولا حائط بل إذا اشتهاها العبد دنت منه حتى يأخذها، قال تعالى {قطوفها دانية}(الحاقة: ٢٣)
وجاء في الحديث:«ما قطع من ثمار الجنة إلا أبدل الله تعالى مكانها ضعفين» .
ولما كان التفكه لا يكمل الإلتذاذ به إلا مع الراحة قال تعالى:{وفرش مرفوعة} أي: رفيعة القدر يقال: ثوب رفيع، أي: عزيز مرتفع القدر والثمن بدليل قوله تعالى: {متكئين على فرش بطائنها من استبرق}(الرحمن: ٥٤)
فكيف ظهائرها أو مرفوعة فوق السرر بعضها فوق بعض؛ روى الترمذي عن أبي سعيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:{وفرش مرفوعة} قال: «ارتفاعها كما بين السماء والأرض مسيرة خمس مئة عام» . قال: حديث غريب؛ وقيل: هي كناية عن النساء كما كنى عنهن باللباس، أي: ونساء مرتفعات الأقدار في حسنهن وكمالهن، والعرب تسمى المرأة فراشاً ولباساً على الاستعارة.
دليل هذا التأويل قوله تعالى:{إنا} أي: بمالنا من العظمة التي لا يتعاظمها شيء {أنشاناهن} أي: الفرش التي معناها النساء من أهل الدنيا بعد الموت بالبعث وزاد في التأكيد فقال تعالى: {إنشاء} أي: خلقاً جديداً من غير ولادة بل جمعناهن من التراب كسائر بني آدم، ليكونوا كأبيهم آدم عليه السلام في خلقه من تراب، لتكون الإعادة كالبداءة ولذلك يكون الكل عند دخول الجنة على شكله عليه السلام، وروى النحاس بإسناده أن أم سلمة سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى:{إنا أنشأناهن إنشاء} فقال: «هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز شمطاً عمشاً