الشجر الذي توقد به النار {أم نحن} أي: خاصة وأكد بقوله تعالى: {المنشؤن} أي: لها بمالنا من العظمة على تلك الهيئة فمن قدر على إيجاد النار التي هي أيبس ما يكون في الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادّة لها كان أقدر على إعادة الطراوة في تراب الجسد الذي كان غضاً طرياً فيبس.
ولما كان الجواب قطعاً أنت وحدك قال تعالى دالاً على ذلك تنبيهاً على عظم هذا الخبر {نحن} أي: خاصة {جعلناها} أي: لما اقتضته عظمتنا {تذكرة} أي: شيئاً يتذكر به تذكراً عظيماً جليلاً كما أخبرنا به من البعث وعذاب النار الكبرى وما ينشأ فيها من شجرة الزقوم وغير ذلك، وقيل: موعظة يتعظ بها المؤمن؛ وعن أبي هريرة رضى الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ناركم التي توقدون جزء من سبعين جزأ من نار جهنم، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله قال: فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزأ كلها مثلها مثل حرّها» . {ومتاعاً} أي: بلغة ومنفعة {للمقوين} أي: المسافرين والمقوى النازل في أرض القوا بالكسر والقصر والمدّ وهي القفر البعيدة من العمران، والمعنى: أنه ينتفع بها أهل البوادي والأسفار فإن منفعتهم بها أكثر من المقيم فإنهم يوقدونها بالليل لتهرب السباع ويهتدي الضال إلى غير ذلك من المنافع؛ وقال مجاهد: للمقوين أي: المنتفعين بها من الناس أجمعين يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون بها من البرد وينتفعون بها في الطبخ والخبز إلى غير ذلك من المنافع، ويتذكر بها نار جهنم فيستجار بالله تعالى منها؛ وقال ابن زيد: للجائعين في إصلاح طعامهم يقال: أقويت منذ كذا وكذا أي: ما أكلت شيئاً قال الشاعر:
*وإني لاختار القوا طاوي الحشى ... محافظة من أن يقال لئيم*
وقال قطرب: المقوي من الأضداد يقال للفقير: مقو لخلوه من المال ويقال للغني: مقو لقوته على ما يريد، والمعنى: فيها متاعاً ومنفعة للفقراء والأغنياء لا غنى لأحد عنها، وقال المهدوي: الآية تصلح للجميع لأنّ النار يحتاج إليها المسافر والمقيم والغني والفقير.
ولما ذكر تعالى ما يدل على وجوب وحدانيته وقدرته وإنعامه على سائر الخلق خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم أو كل أحد من الناس بقوله تعالى:{فسبح} أي: أوقع التنزيه العظيم من كل شائبة نقص من ترك البعث وغيره ولا سيما بعد بلوغ هذه الأدلة {باسم} أي: ملتبساً بذكر اسم {ربك} أي: المحسن إليك بهذا البيان الأعظم.
فائدة: أثبتوا ألف الوصل هنا في اسم ربك لأنه لم يكثر دوره كثرته في البسملة وحذفوه منها لكثرة دورها وهم شأنهم الإيجاز وتقليل الكثير إذا عرف معناه وهذا معروف لا يجهل، وإثبات ما أثبت من أشكاله مما لا يكثر دليل على الحذف منه، ولذا لا تحذف مع غير الباء في اسم الله ولا مع الباء في غير الجلالة الكريمة من الأسماء وقد أوضحت ذلك في مقدمتي على البسملة والحمدلة.
ولما كان المقام للعظمة قال الله تعالى:{العظيم} أي: الذي ملأ الأكوان كلها عظمة فلا شيء منها إلا وهو مملوء بعظمته تنزيهاً عن أن يلحقه شائبة نقص أو يفوته شيء من كمال، فالعظيم صفة للإسم أو الرب، والاسم قيل: بمعنى الذات وقيل: زائد أي: فسبح ربك واختلف في «لا» في قوله تعالى: {فلا أقسم} فقال أكثر المفسرين: معناه فاقسم ولا صلة مؤكدة بدليل قوله تعالى بعد ذلك: {وإنه لقسم} ومثلها في قوله تعالى: {لئلا يعلم أهل الكتاب}(الحديد: ٢٩)