{من قبل أن نبرأها} أي: نخلق ونوجد ونقدر المصيبة في الأرض والأنفس، وهذا دليل على أنّ اكتساب العباد بخلقه سبحانه وتعالى وتقديره {إن ذلك} أي: الأمر الجليل وهو علمه بالشيء وكتبه له على تفاصيله قبل أن يخلقه {على الله} أي: لما له من الإحاطة بصفات الكمال {يسير} لأن علمه محيط بكل شيء فقدرته شاملة لا يعجزه فيها شيء.
ثم بين ثمرة إعلامه بذلك بقوله تعالى:{لكيلا} أي: أعلمناكم بأنا على مالنا من العظمة قد فرغنا من التقدير فلا يتصور فيه تقديم ولا تأخير ولا تبديل ولا تغيير لا الحزن يدفعه ولا السرور يجلبه ويجمعه كما قال صلى الله عليه وسلم «يا معاذ ليقل همك ما قدر يكن» لأجل أن {لا تأسوا} أي: تحزنوا حزناً كبيراً زائداً على ما في أصل الجبلة فربما جرّ ذلك إلى السخط وعدم الرضا بالقضاء {على ما فاتكم} أي: من المحبوبات الدنيوية {ولا تفرحوا} أي: تسروا سروراً يوصلكم إلى البطر بالتمادي على ما في أصل الجبلة وقوله تعالى: {بما آتاكم} قرأه أبو عمرو بقصر الهمزة، أي: جاءكم منه، والباقون بالمد أي أعطاكم قال جعفر الصادق رضي الله عنه: مالك تأسف على مفقود ولا يردّه عليك الفوت ومالك تفرح بموجود ولا يتركه في يدك الموت ا. هـ.
ولقد عزى الله تعالى المؤمنين رحمة بهم في مصائبهم وزهدهم في رغائبهم بأن أسفهم على فوت المطلوب لا يعيده، وفرحهم بحصول المحبوب لا يفيده، وبأن ذلك لا مطمع في بقائه إلا بإدخاره عند الله تعالى وذلك بأن يقول: المصيبة قدر الله تعالى وما شاء فعل ويصبر؛ وفي النعمة هكذا قضى وما أدري مآله هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر فلا يزال خائفاً عند النعمة قائلاً في الحالين ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن، وأكمل من هذا أن يكون مسروراً بذكر ربه في كلتا الحالتين، وقيمة الرجال إنما تعرف بالواردات المغيرة فمن لم يتغير بالمضار ولم يتأثر بالمسار فهو سيد وقته كما أشار إليه القشيري؛ وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبراً وغنيمته شكراً والحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان تتعدى فيهما إلى ما لا يجوز {والله} أي: الذي له صفات الكمال {لا يحب} أي: لا يفعل فعل المحب بأن يكرم {كل مختال} أي: متكبر نظراً إلى ما في يده من الدنيا {فخور} أي: به على الناس قال القشيري: الاختيال من بقايا النفس ورؤيتها، والفخر من رؤية خطر ما به يفتخر.
وقوله تعالى:{الذين يبخلون} بدل من كل مختال فخور فإنّ المختال بالمال يضن به غالباً {ويأمرون الناس} أي: كل من يعرفونه {بالبخل} إرادة أن يكونوا لهم رفقاء يعملون بأعمالهم الخبيثة أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله تعالى: {ومن يتول} أي: يكلف نفسه الإعراض ضد ما في فطرته من محبة الخير والإقبال على الله تعالى: {فإن الله} الذي له جميع صفات الكمال {هو} أي: وحده {الغني الحميد} لأنّ معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإنّ الله غني أي: عن ماله وعن إنفاقه وكل شيء مفتقر إليه وهو مستحق للحمد سواء أحمده الحامدون أم لا {لقد أرسلنا} أي: بما لنا من العظمة {رسلنا} أي: الذين لهم نهاية الجلال بما لهم بنا من الاتصال من الملائكة إلى الأنبياء على جميعهم أفضل الصلاة والسلام ومن الأنبياء إلى الأمم {بالبينات} أي: الحجج القواطع {وأنزلنا} أي: بعظمتنا التي لا شيء أعلى منها {معهم الكتاب}