للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تغنى} أي: بوجه من الوجوه {عنهم أموالهم} أي: في الدنيا ولا في الآخرة بالافتداء ولا بغيره {ولا أولادهم} أي: بالنصرة والمدافعة {من الله} أي: أغناه مبتدأ من الملك الأعلى {شيئاً} ولو قل جدّاً فمهما أراد بهم سبحانه كان ونفذ ومضى لا يدفعه شيء تكذيباً لمن قال منهم: لئن كان يوم القيامة لنكوننّ أسعد فيه منكم كما نحن الآن ولننجونّ بأنفسنا وأموالنا وأولادنا {أولئك} أي: البعداء من كل خير {أصحاب النار هم} أي: خاصة {فيها} أي: خاصة {خالدون} أي: دائمون لازمون إلى غير نهاية

وقوله تعالى: {يوم} منصوب باذكر أي: واذكر يوم {يبعثهم الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال {جميعاً} فلا يترك أحداً منهم ولا من غيرهم إلا أعاده إلى ما كان قبل موته {فيحلفون} أي: فيتسبب عن ظهور القدرة التامّة لهم ومعاينة ما كانوا يكذبون به أنهم يحلفون {له} أي: لله في الآخرة أنهم مسلمون فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين ونحو ذلك {كما يحلفون لكم} في الدنيا أنهم مثلكم، وقال ابن عباس رضى الله عنهما: يحلفون لله تعالى يوم القيامة كذباً كما حلفوا لأوليائه في الدنيا وهو قولهم والله ربنا ما كنا مشركين. {ويحسبون} أي: في القيامة بأيمانهم الكاذبة {أنهم على شيء} أي: يحصل لهم به نفع بإنكارهم وحلفهم، وقيل: يحسبون في الدنيا أنهم على شيء، لأنهم في الآخرة يعلمون الحق باضطرار والأول أظهر والمعنى: أنهم لشدّة توغلهم في النفاق ظنوا يوم القيامة أنهم يمكنهم ترويج كذبهم بالأيمان الكاذبة على علام الغيوب.

وإليه الإشارة بقوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} (الأنعام: ٢٨)

وعن ابن عباس رضى الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ينادي مناد يوم القيامة أين خصماء الله تعالى فتقوم القدرية مسودّة وجوههم مزرقة أعينهم مائل شقهم يسيل لعابهم فيقولون والله ما عبدنا من دونك شمساً ولا قمراً ولا صنماً ولا اتخذنا من دونك إلهاً» قال ابن عباس رضى الله عنهما: صدقوا والله أتاهم الشرك من حيث لا يعلمون ثم تلا: {ويحسبون أنهم على شيء} » وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: بفتح السين، والباقون بكسرها {ألا إنهم هم الكاذبون} المحكوم بكذبهم في حسبانهم هم والله القدرية ثلاثاً.

{استحوذ} أي: استولى {عليهم الشيطان} مع أنه طريد ومحترق ووصل منهم إلى ما يريده وملكهم ملكاً لم يبق لهم معه اختيار فصاروا رعيته وصار هو محيطاً بهم من كل جهة غالباً عليهم ظاهراً وباطناً من قولهم حذت الأبل وحذذتها إذا استوليت عليها، والحوذ أيضاً: السوق السريع ومنه الأحوذي الخفيف في الشيء لحذقه، واستحوذ مما جاء على الأصل وهو ثبوت الواو دون قلبها ألفاً {فأنساهم} أي: فتسبب عن استحواذه عليهم أن أنساهم {ذكر الله} أي: الذي له الأسماء الحسنى والصفات العليا {أولئك} أي: البعداء البغضاء {حزب الشيطان} أي: أتباعه وجنوده وطائفته وأصحابه {ألا إنّ حزب الشيطان} أي: الطريد المحترق {هم الخاسرون} أي: العريقون في هذا الوصف؛ لأنهم لم يظفروا بغير الطرد والاحتراق.

{إن الذين يحادون الله} أي: يفعلون مع الملك الأعظم الذي لا كفؤ له، فعل من ينازع آخر في الأرض فيغلب على طائفة ليجعل لها حداً لا يتعداه خصمه {ورسوله} أي: الذي عظمته من عظمته {أولئك} أي: البعداء البغضاء {في الأذلين} أي: في جملة من هو أدل خلق الله تعالى.

واختلف في معنى قوله عز وجلّ {كتب الله} أي: الملك الذي لا كفؤ له

<<  <  ج: ص:  >  >>