{لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن} ثم بينت السنة أن مراد الله تعالى من قوله هذا: أنه لا يحل بعضهم لبعض إلا إن أسلم الثاني منهما في العدّة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه في الكافرين الذمّيين: إذا أسلمت المرأة عرض على الزوج الإسلام فإن أسلم، وإلا فرق بينهما، قالوا: ولو كانا حربيين فهي امرأته حتى تحيض ثلاث حيض إذا كانا جميعاً في دار الحرب، أو في دار الإسلام، وإن كان أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام انقطعت العصمة بينهما، وقد تقدمّ أنّ اعتبار الدار ليس بشيء، وهذا الخلاف إنما هو في المدخول بها.
فأمّا غير المدخول بها فلا نعلم خلافاً في انقطاع العصمة بينهما إذ لا عدّة عليها، وكذا يقول مالك في المرأة يرتد زوجها المسلم تنقطع العصمة بينهما لقوله تعالى:{ولا تمسكوا بعصم الكوافر} وهو قول الحسن البصري والحسن بن صالح وقال الشافعي وأحمد: ينتظر بها تمام العدّة، فإن كان الزوجان نصرانيين فأسلمت الزوجة فذهب مالك والشافعي وأحمد إلى تمام العدّة، وهو قول مجاهد، وكذا الوثني تسلم زوجته إن أسلم في عدّتها فهو أحق بها، كما أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل أحق بزوجتيهما لما أسلما في عدّتهما لما ذكر مالك في الموطأ.
قال بعض العلماء: كان بين إسلام صفوان وبين إسلام امرأته نحو من شهر، قال: ولم يبلغنا أنّ امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وزجها كافر مقيم بدار الحرب إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها، إلا أن يقدم زوجها مهاجراً قبل أن تنقضي عدتها. وقال بعضهم: ينفسخ النكاح بينهما لما روى يزيد بن علقمة قال: أسلم جدّي ولم تسلم جدّتي ففرق بينهما عمر، وهو قول طاوس وعطاء والحسن وعكرمة قالوا: لا سبيل له عليها إلا بخطبة {واسألوا} أي: أيها المؤمنون الذين ذهبت زوجاتهم إلى الكفار مرتدّات {ما أنفقتم} أي: من مهور نسائكم {وليسألوا} أي: الكفار {ما أنفقوا} أي: من مهور أزواجهم اللائي أسلمن. قال المفسرون: كان من ذهب من المسلمات مرتدّات إلى الكفار من أهل العهد يقال للكفار: هاتوا مهرها، ويقال للمسلمين: إذا جاء أحد من الكافرات مسلمة مهاجرة ردّوا إلى الكفار مهرها، وكان ذلك نصفاً وعدلاً بين الحالين {ذلكم} أي: الحكم الذي ذكر في هذه الآيات البعيدة تعلق الرتبة عن كل سفيه {حكم الله} أي: الملك الذي له صفات الكمال، فلا تلحقه شائبة نقص {يحكم} أي: الله إذ حكمه على سبيل المبالغة {بينكم} أي: في هذا الوقت وفي غيره على هذا المنهاج البديع، وذلك لأجل الهدنة التي كانت وقعت بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبينهم، وأمّا قبل الحديبية فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يمسك النساء ولا يردّ الصداق {والله} أي: الذي له الإحاطة التامّة {عليم} أي: بالغ العلم لا يخفى عليه شيء {حكيم} أي: فهو لتمام علمه يحكم كل أموره غاية الأحكام، فلا يستطيع أحد نقض شيء منها.
روي أن المسلمين قالوا: رضينا بما حكم الله تعالى، وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا فنزل قوله تعالى:{وإن فاتكم شيء من أزواجكم} أي: واحدة فأكثر منهن، أو شيء من مهورهن بالذهاب {إلى الكفار} مرتدات {فعاقبتم} فغزوتم وغنمتم من أموال الكفار فجاءت نوبة ظفركم بأداء المهر إلى إخوانكم طاعة وعدلاً عقب نوبتهم التي اقتطعوا فيها ما أنفقتم ظلماً {فآتوا} أي: فاحضروا