للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنفسكم {إن كنتم تعلمون} أي: إن كان يمكن أن يتجدد لكم علم في وقت فأنتم تعلمون أن ذلك خير لكم، فإذا علمتم أنه خير أقبلتم عليه فكان لكم به أمر عظيم، وإن كانت قلوبكم قد طمست طمساً لا رجاء لصلاحه فصلوا على أنفسكم صلاة الموت.

وقوله تعالى: {يغفر لكم} فيه أوجه:

أحدها: أنه مجزوم على جواب الخبر بمعنى الأمر، أي: آمنوا وجاهدوا.

والثاني: أنه مجزوم في جواب الاستفهام، كما قاله الفراء.

والثالث: أنه مجزوم بشرط مقدر، أي: إن تؤمنوا يغفر لكم. قال القرطبي: وأدغم بعضهم فقرأ يغفر لكم، والأحسن ترك الإدغام فإن الراء متكرر قوي فلا يحسن الإدغام في اللام، لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف ا. هـ. وتقدم في آخر سورة البقرة مثل ذلك للزمخشري والبيضاوي ورد عليهما {ذنوبكم} أي: يمحو أعيانها وآثارها كلها {ويدخلكم} أي: بعد التزكية بالمغفرة رحمة لكم {جنات} أي: بساتين {تجري من تحتها} أي: من تحت أشجارها وغرفها وكل منتزه فيها {الأنهار} فهي لا تزال غضة زهراء لم يحتج هذا الأسلوب إلى ذكر الخلود لإغناء ما بعده عنه، ودل على الكثرة المفرطة في الدور بقوله في صيغة منتهى الجموع {ومساكن طيبة} روى الحسن قال: «سألت عمران بن حصين، وأبا هريرة عن قوله تعالى: {ومساكن طيبة} فقالا: على الخبير سقطت سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: «قصر من لؤلؤة في الجنة في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء، في كل دار سبعون بيتاً من زبرجدة خضراء، في كل بيت سبعون سريراً، في كل سرير سبعون فراشاً من كل لون على كل فراش سبعون امرأة من الحور العين، في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام، في كل بيت سبعون وصيفاً ووصيفة فيعطي الله تعالى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله» {في جنات عدن} أي: بساتين هي أهل للإقامة بها لا يحتاج في إصلاحها إلى شيء خارج يحتاج في تحصيله إلى الخروج عنها له، قال حمزة الكرماني في كتابه «جوامع التفسير» : هي أي جنات عدن قصبة الجنان ومدينة الجنة أقربها إلى العرش {ذلك} أي: الأمر العظيم جداً {الفوز العظيم} أي: السعادة الدائمة الكبيرة، وأصل الفوز الظفر بالمطلوب.

ولما ذكر تعالى ما أنعم به عليهم في الآخرة بشرهم بنعمته في الدنيا.

بقوله تعالى: {وأخرى تحبونها} أي: ولكم إلى هذه النعمة المذكورة نعمة أخرى عاجلة محبوبة، وفي تحبونها تعريض بأنهم يؤثرون العاجل على الآجل. وقوله تعالى: {نصر من الله} أي: الذي أحاطت عظمته بكل شيء خبر مبتدأ مضمر، أي: تلك النعمة أو الخصلة الأخرى نصر من الله {وفتح قريب} أي: غنيمة في عاجل الدنيا قيل: فتح مكة قال الكلبي: هو النصر على قريش، وقال ابن عباس: يريد فتح فارس والروم. وقوله تعالى: {وبشر المؤمنين} عطف على محذوف مثل {قل يا أيها الذين آمنوا وبشر} ، أو على يؤمنون فإنه في معنى الأمر كأنه قال آمنوا وجاهدوا أيها المؤمنون، وبشرهم يا أشرف الرسل بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة.

{يا أيها الذين آمنوا} أي: أقروا بذلك {كونوا} أي: بغاية جهدكم {أنصاراً لله} أي: لدينه، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو أنصاراً بالتنوين وجر اللام من الاسم الجليل وترقيقها، والباقون بغير تنوين وتفخيم اللام. {كما} أي: كونوا لأجل أني ندبتكم أنا بقولي من غير واسطة ولذذتكم بخطابي مثل ما كان الحواريون أنصار الله حين {قال

<<  <  ج: ص:  >  >>