الأشجعي شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده فنزلت ذكره النحاس، وحكاه الطبري عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة التغابن كلها بمكة إلا هؤلاء الآيات {يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم} فإنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي كان ذا أهل وولد، وكان إذا أراد الغزو بكوه ورققوه، وقالوا: إلى من تدعنا فيرق فيقيم، فنزلت هذه الآية إلى آخر السورة بالمدينة.
وروى الترمذي عن ابن عباس وسئل عن هذه الآية قال: هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم رأوا الناس قد تفقهوا في الدين، فهموا أن يعاقبوهم فأنزل الله تعالى هذه الآية، حديث حسن صحيح.
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن الشيطان قعد لابن آدم في طرق الإيمان فقال له: أتؤمن وتذر دينك ودين آبائك فخالفه فآمن، ثم قعد له على طريق الهجرة فقال له: أتهاجر وتترك أهلك ومالك فخالفه فهاجر، ثم قعد له على طريق الجهاد فقال له: أتجاهد فتقتل نفسك فتنكح نساؤك ويقسم مالك فخالفه فجاهد فقتل، فحق على الله أن يدخله الجنة» .
وقعود الشيطان يكون بوجهين: أحدهما: يكون بالوسوسة، والثاني: أن يحمل على ما يريد من ذلك الزوج والولد والصاحب قال تعالى: {وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم}(فصلت: ٢٥)
وفي حكمة عيسى عليه الصلاة والسلام: من اتخذ أهلاً ومالاً وولداً كان في الدنيا عبداً. وقال عليه الصلاة والسلام:«تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد القطيفة» ولا دناءة أعظم من دناءة الدينار والدرهم، ولا أخس من همة ترتفع بثوب جديد ويدخل في قوله تعالى:{إن من أزواجكم} الذكر والأنثى، فكما أن الرجل تكون زوجته عدواً له كذلك المرأة يكون زوجها عدواً لها بهذا المعنى {فاحذروهم} أي: أن تطيعوهم في التخلف عن الخير، ولا تأمنوا غوائلهم {وإن تعفوا} أي: توقعوا المجاوزة عن ذنوبهم بعدم العقاب عليها فإنه لا فائدة في ذلك، فإن من طبع على شيء لا يرجع عنه وإنما النافع الحذر الذي أرشد إليه تعالى لئلا يكون سبباً للذم المنهي عنه {وتصفحوا} أي: بالإعراض عن المقابلة بالتثريب باللسان {وتغفروا} أي: بأن تستروا ذنوبهم ستراً تاماً شاملاً للعين والأثر بالتجاوز {فإن الله} أي: الجامع لصفات الكمال {غفور} أي: بالغ المحو لأعيان الذنوب وآثارها جزاء لكم على غفرانكم لهم، وهو جدير بأن يصلحهم لكم بسبب غفرانكم {رحيم} فيكرمكم بعد ذلك الستر بالإنعام فتخلقوا بأخلاقه تعالى يزدكم من فضله.
{إنما أموالكم} أي: عامة {وأولادكم} كذلك {فتنة} أي: اختبار من الله تعالى لكم، وهو أعلم بما في نفوسكم منكم لكي ليظهر في عالم الشهادة من يميله ذلك فيكون عليه نقمة ممن لا يميله فيكون عليه نعمة، فربما رام الإنسان صلاح ماله وولده فبالغ فأفسد نفسه، ثم لا يصلح ذلك ماله ولا ولده. روى أبو نعيم في الحلية في ترجمة سفيان الثوري رضي الله عنه أنه قال: يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: أكل عياله حسناته. وعن بعض السلف: العيال سوس الطاعات ويكفي في فتنة لمال قصة ثعلبة بن حاطب أحد من نزل فيه قوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله}(التوبة: ٧٥)