وفيه حث على أداء الشهادة لما فيه من العسر على الشاهد بترك مهماته وعسر لقاء الحاكم الذي يؤدي عنده، وربما بعد مكانه وكان للعدل في الأداء عوائق أيضاً {ذلكم} أي: الذي ذكرت لكم أيتها الأمة من هذه الأمور البديعة النظام العالية المرام، وأولاها بذلك هذا الإشهاد وإقامة الشهادة {يوعظ} أي: يلين ويرقق {به من كان} أي: كوناً راسخاً من جميع الناس {يؤمن بالله} أي: الذي له الكمال كله {واليوم الآخر} فإنه المحط الأعظم للترقيق، وأما من لم يكن متصفاً بذلك فكأنه لقساوة قلبه ماوعظ به لأنه لم ينتفع به.
وقوله تعالى:{ومن يتق الله} أي: يخف الملك الأعظم فيجعل بينه وبين ما يسخطه وقاية بما يرضية، وهو اجتلاب ما أمر به واجتناب ما نهي عنه من الطلاق وغيره، ظاهراً وباطناً لأن التقوى إذا انفردت في القرآن عن مقارن عمت الأمر والنهي، وإن اقترنت بغيرها نحو إحسان أو رضوان خصت المناهي {يجعل} أي: بسبب التقوى {له مخرجاً} جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق بالوعد على اتقائه عما نهى عنه صريحاً أو ضمناً من الطلاق في الحيض والإضرار بالمعتدة وإخراجها من المسكن، وتعدى حدود الله تعالى. روي أن النبي صلى الله عليه وسلم «سئل عمن طلق ثلاثاً أو ألفاً هل له من مخرج فتلاها» وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والثعلبي والضحاك: هذا في الطلاق خاصة، أي: من طلق كما أمره الله تعالى يكن له مخرج في الرجعة في العدة، وأن يكون كأحد الخطاب بعد العدة.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أيضاً: يجعل له مخرجاً ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة، وقيل: المخرج هو أن يقنعه الله بما رزقه، قاله علي بن صالح. وقال الكلبي: ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجاً من النار إلى الجنة، وقال الحسن: مخرجاً مما نهى الله عنه، وقال أبو العالية: مخرجاً من كل شدة، وقال الربيع بن خيثم: مخرجاً من كل شيء ضاق على الناس، وقال الحسين بن الفضل: ومن يتق الله في أداء الفرائض يجعل له مخرجاً من العقوبة.
{ويرزقه} أي: الثواب {من حيث لا يحتسب} أي: يبارك له فيما أتاه، وقال سهل بن عبد الله: ومن يتق الله في اتباع السنة يجعل له مخرجاً من عقوبة البدع، ويرزقه الجنة من حيث لا يحتسب، وقال أبو سعيد الخدري: ومن تبرأ من حوله وقوته بالرجوع إلى الله تعالى يجعل له مخرجاً مما كلفه الله بالمعونة له، وتأول ابن مسعود ومسروق الآية على العموم، وهذا هو الذي يقوى عندي.
وقال أبو ذر:«قال النبي صلى الله عليه وسلم إني لأعلم آيه لو أخذ الناس بها لكفتهم، وتلا:{ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} قال: مخرجاً من شبهات الدنيا، ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة» .
وقال أكثر المفسرين: نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر المشركون ابناً له يسمى سالماً فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتكي إليه الفاقة، وقال: إن العدو أسر ابني وجزعت الأم فما تأمرني؟ فقال صلى الله عليه وسلم «اتقي الله واصبر، وآمرك وإياها أن تكثرا من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله فعاد إلى بيته وقال لامرأته: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني وإياك أن نكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقالت: نعم ما أمرنا به فجعلا يقولان فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم وجاء بها إلى المدينة وهي أربعة آلاف شاة فنزلت الآية، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم تلك الأغنام له» وروي