دخنت لتعلم قومها أنه قد نزل به ضيف لما كانوا عليه من إتيان الرجال {فلم} أي: فتسبب عن ذلك أن العبدين الصالحين لم {يغنيا عنهما} ، أي: المرأتين بحق النكاح {من الله} ، أي: من عذاب الملك الذي له الأمر كله فلا أمر لغيره {شيئاً} أي: من إغناء لأجل خيانتهما {وقيل} أي: للمرأتين ممن أذن له في القول النافذ الذي لا مردّ له {ادخلا النار} ، أي: قيل لهما ذلك عند موتهما أو يوم القيامة {مع الداخلين} ، أي: سائر الداخلين من الكفرة الذين لا وصلة بينهم وبين الأنبياء، فلم يغن نوح ولوط عن امرأتيهما شيئاً من عذاب الله تعالى وفي هذا المثل تعريض بأمي المؤمنين عائشة وحفصة وما فرط منهما وتحذير لهما على أعلى وجه وأشده وفيه تنبيه على أن العذاب يدفع بالطاعة لا بالوسيلة وقيل: أن كفار مكة استهزؤا وقالوا: إن محمداً يشفع لنا فبين تعالى أن الشفاعة لا تنفع كفار مكة وإن كانوا أقرباء، كما لا ينفع نوح امرأته ولا لوط امرأته مع قربهما لهما لكفرهما.
ثم شرع تعالى في ضرب المثل الثاني: فقال تعالى:
{وضرب الله} ، أي: الملك الأعلى الذي له صفات الكمال {مثلاً للذين آمنوا امرأت فرعون} واسمها آسية وهي بنت مزاحم آمنت وعملت صالحاً فلم تضرّها الوصلة بالكافر بالزوجية التي هي من أعظم الوصل، ولا نفعه إيمانها، كل امرئ بما كسب رهين وأثابها ربها تعالى أن جعلها في الآخرة زوجة خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في دار كرامته بصبرها على عبادة الله تعالى وهي في حبالة عدوّه وأسقط وصفه بالعبودية دليلاً على تحقيره وعدم رحمته له لأنه من أعدى أعدائه وقوله تعالى:{إذ قالت} ظرف للمثل المحذوف، أي: مثلهم مثلها حين قالت {رب} ، أي: أيها المحسن إلي بالهداية وأنا في حبالة هذا الكافر الجبار {ابن لي عندك بيتاً} وبينت مرادها بالعندية فقالت: {في الجنة} أي: دار المقربين وقد أجابها سبحانه بأن جعلها زوجة أكمل خلقه محمد صلى الله عليه وسلم فكانت معه في منزله الذي هو أعلى المنازل {ونجني من فرعون} أي: فلا أكون عنده {وعمله} فلا تسلطه علي بما يضرني عندك في الآخرة فلا أعمل بشيء من عمله وهو شركه، وقال ابن عباس: جماعه {ونجني} أعادت العامل تأكيداً {من القوم الظالمين} أي: الناس الأقوياء العريقين الذين يضعون أعمالهم في غير موضعها، فاستجاب الله تعالى دعاءها وأحسن إليها لأجل محبتها للمحبوب، وهو كليم الله موسى عليه السلام كما يقال:
*صديق صديقي داخل في صداقتي
وذلك أن موسى عليه السلام لما غلب السحرة آمنت به فلما تبين لفرعون إيمانها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة، وفي القصة أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها فلما أتوها بالصخرة قالت:{رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة} فأبصرته من مرمرة بيضاء فانتزعت روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ولم تجد ألماً، وقال الحسن وابن كيسان: رفع الله تعالى امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب.
وقوله تعالى:{ومريم ابنت عمران} عطف على امرأة فرعون تسلية للأرامل {التي أحصنت فرجها} أي: عفت عن السوء وجميع مقدماته، كانت كالحصن العظيم المانع من العدو فاستمرت على حالها إلى الممات فزوجها الله تعالى في الجنة جزاء لها بخير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم وقال بعض المفسرين: أراد بالفرج هنا الجيب لقوله تعالى: {فنفخنا} ،