{أن يخسف بكم الأرض} بدل من {من في السماء} بدل اشتمال، وقال القرطبي: يحتمل أن يكون المعنى: أأمنتم خالق من في السماء أن يخسف بكم الأرض كما خسفها بقارون، وقرأ:{من في السماء أن} نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية المفتوحة بعد الكسرة ياء في الوصل والباقون بتحقيقهما {فإذا هي} أي: الأرض التي أنتم عليها {تمور} أي: تضطرب وهي تهوي بكم وتجري هابطة في الهواء وتتكفأ إلى حيث شاء سبحانه، قال في «القاموس» : المور الاضطراب والجريان على وجه الأرض والتحرك، وقال الرازي: إن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب وتتحرك فتعلو عليهم وهم يخسفون فيها يذهبون، والأرض فوقهم تمور فتقلبهم إلى أسفل السافلين.
وقال القرطبي: قال المحققون: أأمنتم من فوق السماء كقوله تعالى: {فسيحوا في الأرض}(التوبة: ٢) ، أي: فوقها لا بالمماسة والتحيز بل بالقهر والتدبير والأخبار في هذا صحيحة كثيرة منتشرة مشيرة إلى العلوّ لا يدفعها إلا ملحد أو جاهل أو معاند، والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت ووصفه بالعلوّ والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود، لأنها صفات الأجسام وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء، لأن السماء مهبط الوحي ومنزل القطر ومحل القدس ومعدن المطهرين من الملائكة وإليها ترفع أعمال العباد وفوقها عرشه وجنته، كما جعل الله تعالى الكعبة قبلة للصلاة، ولأنه تعالى خلق الأمكنة وهو غير متحيز وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان وهو الآن على ما عليه كان.
وقوله تعالى:{أم أمنتم} أي: أيها المكذبون {من في السماء أن يرسل} بدل من {من في السماء} بدل اشتمال. {عليكم} أي: من السماء {حاصباً} قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: حجارة من السماء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل، وقيل: ريح فيها حجارة وحصباء كأنها تقلع الحصباء لشدتها وقوتها، وقيل: هي سحاب فيها حجارة {فستعملون} أي: عن قريب بوعد لا يخلف عند معاينة العذاب {كيف نذير} أي: إنذاري البليغ إذا شاهدتم العذاب، وهو بحيث لا يستطاع ولا تتعلق الأطماع بكشف له ولا دفاع. قال البقاعي: وحذف الياء منه ومن نكير إشارة إلى أنه وإن كان خارجاً عن الطوق ليس منتهى مقدوره بل لديه مزيد لا غاية له بوجه ولا تحزير، أي: على قراءة أكثر القراء فقد قرأ ورش بالياء في الوصل فيهما دون الوقف والباقون بغير ياء وقفاً ووصلاً.
{ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير} أي: إنكاري عليهم لما أصبتهم به من العذاب.
ولما ذكر تعالى ما تقدم من الوعيد ذكر البرهان على كمال قدرته بقوله تعالى:{أو لم يروا} أجمع القراء على القراءة بالغيب لأن السياق للرد على المكذبين بخلاف ما في النحل وأشار إلى بعد الغاية بحرف النهاية فقال تعالى: {إلى الطير} وهو جمع طائر {فوقهم} أي: في الهواء، وقوله تعالى:{صافات} أي: باسطات أجنحتهن يجوز أن يكون حالاً من الطير وأن يكون حالاً من فوقهم إذا جعلناه حالاً فتكون متداخلة وفوقهم ظرف لصافات على الأول أو ليروا.
وقوله تعالى:{ويقبضن} عطفه الفعل على الاسم لأنه بمعناه، أي: وقابضات فالفعل هنا مؤول بالاسم عكس قوله تعالى: {إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا}(الحديد: ١٨) فإن الاسم هناك مؤول بالفعل وقال أبو حيان: وعطف الفعل على الاسم