من كل خير. وقال الرازي: وهو مذموم على كونه فاعلاً للذنب، قال: والجواب من ثلاثة أوجه: الأول: إن كلمة لولا دالة على أن هذه المذمومية لم تحصل. الثاني: لعل المراد من المذمومية ترك الأفضل، فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين. الثالث: لعل هذه الواقعة كانت قبل النبوة لقوله تعالى: {فاجتباه} أي: اختاره لرسالته {ربه} والفاء للتعقيب، قيل: إن هذه الآية نزلت بأحد حين حلّ برسول الله صلى الله عليه وسلم ما حل، فأراد أن يدعو على الذين انهزموا، وقيل: حين أراد أن يدعو على ثقيف.
ثم سبب عن اجتبائه قوله تعالى:{فجعله من الصالحين} أي: الذين رسخوا في رتبة الصلاح فصلحوا في أنفسهم للنبوة والرسالة، وصلح بهم غيرهم فنبذ حينئذ بالعراء وهو محمود. قال ابن عباس: ردّ الله تعالى إليه الوحي وشفعه في نفسه وفي قومه وقبل توبته وجعله من الصالحين بأن أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون بسبب صبره، فمن صبر أعظم من صبره كان أعظم أجراً من أجره وأنت كذلك فأنت أشرف العالمين.
تنبيه: استدل أهل السنة على أن فعل العبد خلق لله تعالى بقوله سبحانه: {فجعله من الصالحين} لأن الصلاح إنما حصل بجعل الله تعالى وخلقه، وقال الجبائي: يحتمل أن يكون معنى جعل أنه أخبر بذلك، ويحتمل أن يكون لطف به حتى صلح إذ الجعل يستعمل في اللغة في هذه المعاني، والجواب: أن ذلك مجاز والأصل في الكلام الحقيقة.
{وإن} هي المخففة، أي: وإنه {يكاد الذين كفروا} أي: ستروا ما قدروا عليه مما جئت به من الدلائل، وأظهر موضع الإضمار تعميماً وتعليقاً للحكم بالوصف.
ولما كانت إن مخففة أتى باللام التي هي عَلَمها فقال:{ليزلقونك بأبصارهم} أي: ينظرون إليك نظراً شديداً يكاد أن يصرعك من قامتك إلى الأرض كما يزلق الإنسان فينطرح لما يتراءى في عيونهم، أو يهلكونك من قولهم: نظر إلي نظراً يكاد يصرعني ويكاد يأكلني، أي: لو أمكنه بنظره الصرع أو الأكل لفعل قال القائل:
*يتقارضون إذا التقوا في موطن ... نظرا يزل مواطئ الأقدام*
وقيل: أرادوا أن يصيبوه بالعين فنظر إليه قوم من قريش، وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حجمه، وقيل: كانت العين في بني إسرائيل فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام فلا يمر به شيء فيقول: لم أر كاليوم مثله إلا عانه حتى أن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها، ثم يقول: يا جارية خذي المكتل والدرهم، فائتينا من لحم هذه الناقة فما تبرح الناقة حتى تقع للموت فتنحر. وقال الكلبي: كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئاً يومين أو ثلاثة ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم، فيقول: لم أر كاليوم إبلاً ولا غنماً أحسن من هذه فلا تذهب إلا قليلاً حتى تسقط منها طائفة هالكة، فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعين فأجابهم، فلما مر النبي صلى الله عليه وسلم أنشد:
*قد كان قومك يحسبونك سيدا ... وأخال أنك سيد معيون*
فعصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم ونزلت هذه الآية، وذكر الماوردي أن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحداً بعين في نفسه أو ماله يجوع ثلاثة أيام ثم يتعرض لنفسه وماله