للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في رحبة الكوفة. وقال سفيان: كل ذراع سبعون ذراعاً. وقال الحسن رضي الله عنه: الله أعلم أيّ ذراع هو، ويحتمل أن يكون مبالغة كما قال تعالى: {إن تستغفر لهم سبعين مرة} (التوبة: ٨٠)

يريد مرات كثيرة؛ لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد.

والذي يدل على هذا ما رواه الترمذي ـ وقال: إسناده حسن ـ عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل ولو أنها أرسلت من رأس السلسلة لسارت أربعين خريفاً الليل والنهار قبل أن تبلغ أصلها وقعرها» . وعن كعب رضي الله عنه أنه قال: «لو جمع حديد الدنيا ما وزن حلقة منها» . أجارنا الله تعالى ومحبينا منها وجميع المسلمين، فأشار سبحانه إلى ضيقها على ما تحيط به من بدنه بتعبيره بالسلك فقال تعالى: {فاسلكوه} أي: أدخلوه بحيث يكون كأنه السلك، أي: الحبل الذي يدخل في ثقب الخرزة بعسر لضيق ذلك الثقب إما بإحاطتها بعنقه أو بجميع بدنه بأنه تلف، قال الزمخشري: والمعنى في تقديم السلسلة على السلك مثله في تقديم الجحيم على التصلية، أي: لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم، ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية وما بينهما وبين السلك في السلسلة لا على تراخى المدة ا. هـ.

ولما ذكر سبحانه على الإجمال عقابه أتبعه أسبابه فقال تعالى:

{إنه كان} أي: جبلة وطبعاً وأن أظهر شيئاً يلبس به على الضعفاء ويدلس على الأغبياء {لا يؤمن} أي: الآن ولا في مستقبل الزمان {بالله} أي: الملك الأعلى الذي يعلم السر وأخفى {العظيم} أي: الكامل العظم، وهذا تعليل على طريق الاستئناف وهو أبلغ كأنه قيل: ماله يعذب هذا العذاب الشديد؟ أجيب بذلك وفي قوله تعالى: {ولا يحض} أي: يحث {على} بذل {طعام المسكين} دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين: أحدهما: عطفه على الكفر وجعله قرينة له. والثاني: ذكر الحض دون الفعل ليعلم أن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل، وما أحسن قول القائل:

*إذا نزل الأضياف كان عذوّرا ... على الحيّ حتى تستقل مراجله*

يريد حضهم على القرى واستعجالهم، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين، وكان يقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان أفلا نخلع نصفها الثاني بالطعام. وقيل: هو منع الكفار وقولهم: {أنطعم من لو يشاء الله أطعمه} (يس: ٤٧)

والمعنى على بذل طعام المسكين.

ولما وصفه سبحانه بأقبح العقائد وأشنع الرذائل تسبب عنه قوله تعالى: {فليس له اليوم ههنا} أي: في مجمع القيامة كله {حميم} أي: صديق خالص يحميه من العذاب، لأنهم كلهم له أعداء كما أنه كان لا يرق على الضعفاء لما هم فيه من الإقلال من حطام الأموال {ولا طعام إلا من غسلين} أي: غسالة أهل النار وصديدهم وقيحهم، فعلين من الغسل {لا يأكله إلا الخاطئون} أي: أصحاب الخطايا، من خطئ الرجل: إذا تعمد الذنب وهم المشركون، لا من الخطأ المضاد للصواب، وهذا الطعام يغسل ما في بطونهم من الأعيان والمعاني التي بها قوام صاحبها وهي بمنزلة ما كانوا يشحون من أموالهم التي أبطنوها وادّخروها في خزائنهم واستأثروا بها على الضعفاء.

{فلا أقسم} أي: لا يقع مني إقسام {بما

<<  <  ج: ص:  >  >>