وقال الربيع: هو أبو جهل، وقيل: إنه قول جماعة من كفار قريش، وقيل: هو نوح عليه السلام سأل العذاب على الكافرين، وقيل: هو نبينا صلى الله عليه وسلم استعجل بعذاب الكافرين ويدل عليه قوله تعالى بعد ذلك {فاصبر صبراً جميلاً} أي: لا تستعجل فإنه قريب، وقرأ نافع وابن عامر بغير همز بعد السين، والباقون بهمزة مفتوحة بعد السين.
تنبيه: ما تقدم من الوجهين في كون سأل ضمن أو أن الباء بمعنى عن هو على القراءة بالهمز، وأما على عدمه ففيه وجهان: أحدهما: أنه لغة في السؤال يقال: سأل يسأل كخاف يخاف وعين الكلمة واو، قال الزمخشري: وهي من لغة قريش.
والثاني: أنه من السيل ومعناه اندفع عليهم واد بعذاب، وقيل: سال واد من أودية جهنم وقوله تعالى: {للكافرين} فيه أوجه: أحدها: أنه يتعلق بسأل مضمناً معنى دعا كما مر، أي: دعا لهم بعذاب واقع. الثاني: أنه يتعلق بواقع واللام للعلة، أي: نازل لأجلهم. الثالث: أن يتعلق بمحذوف صفة ثانية للعذاب، أي: كائن للكافرين. الرابع: أن يكون جواباً للسائل فيكون خبر مبتدأ مضمر، أي: هو للكافرين. الخامس: أن تكون اللام بمعنى على، أي: واقع على الكافرين.
{ليس له} أي: بوجه من الوجوه ولا حيلة من الحيل {دافع} يردّه.
وقوله تعالى:{من الله} أي: الملك الأعلى الذي لا كفء له يجوز أن يتعلق بدافع بمعنى ليس له دافع من جهته إذا جاء وقته لتعلق إرادته به وأن يتعلق بواقع، وبه بدأ الزمخشري، أي: واقع من عنده {ذي المعارج} أي: المصاعد وهي الدرجات التي يصعد فيها الكلم الطيب والعمل الصالح أو يترقى فيها المؤمنون في سلوكهم أو في دار ثوابهم، أو مراتب الملائكة أو السموات، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: ذي السموات، سماها معارج الملائكة لأن الملائكة يعرجون فيها فوصف نفسه بذلك، أو ذي العلوّ والدرجات الفواضل والنعم، لأنها تصل إلى الناس على مراتب مختلفة، قاله ابن عباس وقتادة رضي الله عنهم، فالمعارج مراتب إنعامه على الخلق. وقيل: ذي العظمة والعلا، وقيل: المعارج الغرف، أي: إنه ذو الغرف، أي: جعل لأوليائه الجنة غرفاً.
وقرأ:{تعرج الملائكة} الكسائي بالياء التحتية، والباقون بالتاء الفوقية، وأدغم جيم المعارج في تاء تعرج هنا السوسي، واستضعف بعضهم ذلك من حيث إن مخرج الجيم بعيد من مخرج التاء. وأجيب عن ذلك بأن الإدغام يكون لمجرد الصفات وإن لم يتقاربا في المخرج والجيم تشارك التاء في الاستفال والانفتاح والشدة والجملة من تعرج مستأنفة.
وقوله تعالى:{والروح} من عطف الخاص على العام إن أريد بالروح جبريل عليه السلام كما قاله ابن عباس رضي الله عنهما لقوله تعالى: {نزل به الروح الأمين}(الشعراء: ١٩٣)
أو ملك آخر من جنسهم عظيم الخلقة: وقال أبو صالح: إنه خلق من خلق الله كهيئة الناس وليس بالناس. وقال قبيصة بن ذؤيب: إنه روح الميت حين يقبض، {إليه} أي: مهبط أمره من السماء. وقيل: هو كقول إبراهيم عليه السلام: {إني ذاهب إلى ربي}(الصافات: ٩٩) ، أي: إلى الموضع الذي أمرني به، وقيل: إلى عرشه، وعلق بالعروج أو بواقع قوله تعالى:{في يوم} أي: من أيامكم، وبين عظمه بقوله تعالى:{كان} أي: كوناً هو في غاية الثبات {مقداره} أي: لو كان الصاعد فيه آدمياً {خمسين ألف سنة} أي: من سني الدنيا وذلك أن تصعد من منتهى أمر الله تعالى من أسفل الأرض السابعة، روي عن مجاهد رضي الله عنه أن مقدار هذا خمسين ألف سنة.