للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كاملة في العبادة، وكان يغوث شجاعاً، وكان يعوق سابقاً قوياً، وكان نسر عظيماً طويل العمر ا. هـ.

ولما ذكرهم مكرهم وما أظهروا من قولهم عطف عليه ما توقع السامع من أمرهم فقال تعالى: {وقد أضلوا} أي: الرؤساء أو الأصنام وجمعهم جمع العقلاء معاملة لهم معاملة العقلاء كقوله: {رب إنهنّ أضللن} (إبراهيم: ٣٦)

{كثيراً} من عبادك الذين خلقتهم على الفطرة السليمة من أهل زمانهم وممن أتى بعدهم، فإنهم أوّل من سنّ هذه السنة السيئة، فعليهم وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة. وقول نوح عليه السلام: {ولا تزد الظالمين} أي: الراسخين في الوصف الموجب للنار {إلا ضلالاً} أي: طبعاً على قلوبهم حتى يعموا عن الحق.

عطف على قد أضلوا دعاء عليهم بعدما أعلمه الله تعالى أنهم لا يؤمنون بقوله تعالى: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} ، وكذلك دعا موسى وهارون عليهما السلام في الشدّ على قلوب فرعون وملئه لئلا يؤمنوا في حال ينفعهم فيه وما في قوله تعالى: {مما خطيئاتهم} أي: من أجل خطيئاتهم مزيدة للتأكيد والتفخيم، وقرأ أبو عمرو بفتح الطاء وبعدها ألف وبعد الألف ياء وبعد الياء ألف وضم الهاء على وزن قضاياهم، والباقون بكسر الطاء وبعدها ياء تحتية ساكنة، وبعد الياء همزة مفتوحة بعدها ألف وبعد الألف تاء فوقية مكسورة وكسر الهاء على وزن قضياتهم {أغرقوا} أي: بالطوفان طاف عليهم جميع الأرض السهل والجبل فلم يبق منهم أحد، وكذا الكلام فيما تسبب عنه وتعقبه في قوله: {فأدخلوا} في الآخرة التي أوّلها البرزخ يعرضون فيه على النار بكرة وعشياً {ناراً} أي: عظيمة جداً أخفها ما يكون من مباديها في البرزخ. قال الملوي: عذبوا في الدنيا بالغرق وفي الآخرة بالحرق. وقال الضحاك: في حالة واحدة كانوا يغرقون من جانب ويحترقون في الماء من جانب بقدرة الله تعالى {فلم يجدوا لهم} أي: عندما أناخ الله بهم سطوته، وأحل بهم نقمته {من دون الله} أي: الملك الأعظم الذي تضمحل المراتب تحت رتبة عظمته وتذل لعزه وجليل سطوته {أنصاراً} تنصرهم على من أراد بهم ذلك ليمنعوه مما أراده سبحانه من إغراقهم من غير أن يتخلف منهم أحد على كثرتهم وقوّتهم لكونهم أعداءه وإنجاء نبيه عليه السلام ومن آمن معه على ضعفهم وقلتهم لم يفقد منهم أحد لكونهم أولياءه كما أنه لم يسلم ممن أراد إغراقهم أحد على كثرتهم وقوّتهم. قال البقاعي: فمن قال عن عوج ما تقوله القصّاص فهو ضلال أشدّ ضلال، قال: وقائل ذلك هو ابن عربي صاحب الفصوص الذي لم يرد بتصنيفه إلا هدم الشريعة، وزاد في الحط عليه وعلى ابن الفارض وعلى الحلاج وعلى من شابههم، وأمر هؤلاء إلى الله تعالى، فإنه العالم بحقائق الأمور وما تخفي

الصدور.

{وقال نوح} وأسقط الأداة كما هو عادة أهل الحضرة فقال: {رب لا تذر} أي: لا تترك {على الأرض} أي: كلها {من الكافرين} أي: الراسخين في الكفر {دياراً} أي: أحداً يدور فيها وهو من ألفاظ العموم التي تستعمل في النفي فيعال من الدور أو الدار لا فعال وإلا لكان دواراً. قال قتادة: دعا عليهم بعد أن أوحى الله تعالى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فأجاب الله تعالى دعوته وأغرق أمّته وهذا كقول النبيّ صلى الله عليه وسلم «اللهمّ منزل الكتاب وهازم الأحزاب اهزمهم وزلزلهم» . وقيل: سبب دعائه أنّ رجلاً من قومه حمل ولداً صغيراً على كتفه فمرّ بنوح

<<  <  ج: ص:  >  >>