للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أسلم: كان المشركون لا يصونون ثيابهم عن النجاسات، فأمره الله تعالى أن يصون ثيابه عنها.

وقيل: هو أمر بتقصيرها ومخالفة العرب في تطويلهم الثياب وجرهم الذيول، وذلك مما لا يؤمن معه إصابة النجاسة. قال صلى الله عليه وسلم «إزار المؤمن إلى أنصاف ساقيه ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، وما كان أسفل من ذلك ففي النار» فجعل صلى الله عليه وسلم الغاية في لباس الإزار الكعب وتوعد على ما تحته بالنار، فما بالُ رجال يرسلون أذيالهم ويطيلون ثيابهم، ثم يتكلفون رفعها بأيديهم وهذه حالة الكبر وقال صلى الله عليه وسلم «لا ينظر الله إلى من جرّ ثوبه خيلاء» وفي رواية «من جرّ إزاره خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» . قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله إنّ أحد شقي إزاري يسترخي إلا أني أتعاهد ذلك منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لست ممن يصنعه خيلاء» .

وقيل: هو أمر بتطهير النفس مما يستقذر من الأفعال، ويستهجن من العادات. يقال فلان طاهر الثياب وطاهر الجيب والذيل إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ومدانس الأخلاق، وفلان دنس الثياب للغادر وذلك لأنّ الثوب يلابس الإنسان ويشتمل عليه فكني به عنه ألا ترى إلى قولهم: أعجبني زيد ثوبه كما تقول: أعجبني زيد عقله وخلقه، ويقولون: المجد في ثوبه والكرم تحت حلته، ولأنّ الغالب أنّ من طهر باطنه ونقاه عني بتطهير الظاهر وتنقيته، وأبى إلا اجتناب الخبيث وإيثار الطهر في كل شيء. وقال عكرمة: سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى: {وثيابك فطهر} فقال: لا تلبسها على معصية ولا على غدر ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي:

*وإني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من عنده أتقنع*

والعرب تقول في وصف الرجل بالصدق والوفاء طاهر الثياب، ويقولون لمن غدر إنه لدنس الثياب. وقال أبيّ بن كعب: لا تلبسها على غدر ولا على ظلم ولا على إثم البسها وأنت برّ طاهر. وقال الحسن والقرطبي: وخلقك فحسن. وقال سعيد بن جبير: وقلبك وبيتك فطهر. وقال مجاهد وابن زيد: وعملك فأصلح. وروى منصور عن أبي رزين قال: يقول: وعملك أصلح. قال: وإذا كان الرجل خبيث العمل قالوا: إنّ فلاناً نجس الثياب. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات عليهما يعني عمله الصالح والطالح» ذكره الماوردي. وقيل: المراد بالثياب الأهل أي: طهرهم من الخطايا بالموعظة والتأديب والعرب تسمي الأهل ثوباً ولباساً وإزاراً. قال تعالى: {هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ} (البقرة: ١٨٧)

وقيل: المراد به الدين أي: ودينك فطهر جاء في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال: «رأيت الناس وعليهم ثياب منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك ورأيت عمر بن الخطاب وعليه إزار يجرّه قالوا: يا رسول الله، فما أولت ذلك؟ قال: الدين» .

وقوله تعالى: {والرجز} فسره النبيّ صلى الله عليه وسلم بالأوثان {فاهجر} أي: دم على هجره. وقيل: الزاي فيه منقلبة من السين والعرب تعاقب بين السين والزاي لقرب مخرجيهما دليل هذا التأويل قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان} (الحج: ٣٠)

وروي عن ابن عباس أنّ معناه: اترك المآثم، وقرأ حفص بضم الراء والباقون بكسرها، وهما لغتان ومعناهما واحد، وقال أبو العالية: الرجز بضم الراء الصنم

<<  <  ج: ص:  >  >>