أين المفرّ من جهنم حذراً منها. ويحتمل هذا القول من الإنسان وجهين: أحدهما: أن يكون من الكافر خاصة في عرصة القيامة دون المؤمن لثقة المؤمن ببشرى ربه تعالى. والثاني: أن يكون من قول المؤمن والكافر عند قيام الساعة لهول ما شاهدوا منها. وقيل: أبو جهل خاصة.
وقوله تعالى: {كلا} ردع عن طلب المفرّ {لا وزر} أي: لا ملجأ ولا حصن استعير من الجبل. قال السدّي: كانوا في الدنيا إذا فزعوا تحصنوا في الجبال، فقال الله تعالى لهم: لا وزر يعصمكم مني يومئذ واشتقاقه من الوزر وهو الثقل {إلى ربك} أي: المحسن إليك بأنواع الإحسان لا إلى شيء غيره {يومئذ} أي: إذ كانت هذه الأمور {المستقر} أي: استقرار الخلق كلهم ناطقهم وصامتهم ومكان قرارهم وزمانه إلى حكمه سبحانه ومشيئته ظاهراً وباطناً لا حكم لغيره بوجه من الوجوه في ظاهر ولا باطن كما هو في الدنيا. وقال ابن مسعود: المصير والمرجع، قال الله تعالى {إلى ربك الرجعى} (العلق: ٨)
و {إليه المصير} (المائدة: ١٨)
وقال السدّي: المنتهى، نظيره {وإنّ إلى ربك المنتهى} (النجم: ٤٢)
{ينبأ} أي: يخبر تخبيراً عظيماً {الإنسان يومئذ} أي: إذا كان الزلزال الأكبر {بما قدّم} قال ابن مسعود وابن عباس رضي الله تعالى عنهم: بما قدّم قبل موته من عمل صالح وسيء {وأخر} بعد موته من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها. وقال ابن عطية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: بما قدّم من المعصية وأخر من الطاعة، وقال قتادة: بما قدم من طاعة الله وأخر من حق الله فضيعه. وقال مجاهد: بأوّل عمله وآخره. وقال عطاء: بما قدم في أوّل عمره وما أخر في آخر عمره. وقال يزيد بن أسلم: بما قدّم من أموال نفسه وما أخر خلفة للورثة، والأولى أن يقال ينبأ بجميع ذلك إذ لا منافاة بين هذه الأقوال.
{بل الإنسان} أي: كل واحد من هذا النوع {على نفسه} أي: خاصة {بصيرة} أي: حجة بينة على أعماله والهاء للمبالغة يعني: أنه في غاية المعرفة بأحوال نفسه، فيشهد عليه بعمله سمعه وبصره وجوارحه قال الله تعالى: {كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} (الإسراء: ١٤)
.k
قال البغوي: ويحتمل أن يكون معناه: بل للإنسان على نفسه يعني جوارحه، فحذف حرف الجر كقوله تعالى: {وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم} (البقرة: ٣٣)
أي: لأولادكم، ويجوز أن يكون نعتاً لاسم مؤنث أي: بل الإنسان على نفسه عين بصيرة.
{ولو ألقى} أي: ذكر بغاية السرعة ذلك الإنسان من غير تلعثم دلالة على غاية الصدق والاهتمام والتملق. وقوله تعالى: {معاذيره} جمع معذرة على غير قياس قاله الجلال المحلي. أي: لو جاء بكل معذرة ما قبلت منه. وقال الزمخشريّ: المعاذير ليس بجمع معذرة، وإنما هو اسم جمع لها ونحوه المناكير في المنكر ا. هـ. قال أبو حيان: وليس هذا البناء من أبنية أسماء الجموع وإنما هو من أبنية جموع التكسير ا. هـ. وقيل: معاذير جمع معذار وهو الستر، والمعنى: ولو أرخى ستوره والمعاذير الستور بلغة اليمن قاله الضحاك. وحكى الماورديّ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: {ولو ألقى معاذيره} أي: ولو تجرّد من ثيابه.
ولما كان صلى الله عليه وسلم إذا لقن الوحي نازع جبريل عليه السلام القراءة ولم يصبر إلى أن يتمها مسارعة إلى الحفظ وخوفاً من أن ينفلت منه أمره الله تعالى بأن ينصت له ملقياً إليه بقلبه وسمعه حتى يقضي الله تعالى وحيه ثم يعقبه بالدراسة إلى أن يرسخ فيه بقوله تعالى:
{لا تحرك به} أي: بالقرآن {لسانك} ما دام جبريل عليه السلام يقرؤه {لتعجل به} أي: