إذا كانت الروح باقية، فإنّ الفراق والوصال صفة والصفة تستدعي وجود الموصوف.
{والتفت الساق بالساق} أي: اجتمعت إحداهما بالأخرى إذ الالتفاف الاجتماع، قال تعالى: {جئنا بكم لفيفاً} (الإسراء: ١٠٤)
ومعنى الكلام اتصلت شدة آخر الدنيا بشدة أول الآخرة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والحسن وغيرهما. وقال الشعبي: التفت ساق الإنسان عند الموت من شدة الكرب. قال قتادة: أما رأيته إذا أشرف على الموت يضرب برجله على الأخرى، وقال سعيد بن المسيب: هما ساقا الإنسان إذا التفتا في الكفن. وقال زيد بن أسلم: التفت ساق الكفن بساق الميت. وقال الضحاك: الناس يجهزون جسده والملائكة يجهزون روحه. وقال السدي: لا يخرج من كرب إلا جاءه أشد منه، وأول الأقوال كما قال النحاس: أحسنها، والعرب لا تذكر الساق إلا في الشدائد والمحن العظام، ومنه قولهم قامت الحرب على ساق، قال أهل المعاني: لأنّ الإنسان إذا دهمته شدة شمر لها عن ساقيه، فقيل للأمر الشديد: ساق. قال الجعدي:
*أخو الحرب إن عضت به الحرب عضها ... وإن شمرت عن ساقها الحرب شمرا*
ولما صور وقت تأسفه على الدنيا وإعراضه عنها ذكر غاية ذلك، فقال تعالى مفرداً النبيّ صلى الله عليه وسلم بالخطاب إشارة إلى أنه لا يفهم هذا حق فهمه غيره {إلى ربك} أي: المحسن إليك بجميع ما أنت فيه {يومئذ} أي: إذ وقع هذا الأمر {المساق} أي: السوق إلى حكمه تعالى فقد انقطعت عنه أحكام الدنيا فإما أن تسوقه الملائكة إلى سعادة وإمّا إلى شقاوة.
والضمير في قوله تعالى: {فلا صدّق} راجع للإنسان المذكور في {أيحسب الإنسان} أي: فلا صدّق النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما أخبره به بما كان يعمل من الأعمال الخبيثة ولا في ماله بالإنفاق في وجوه الخير التي ندب إليها واجبة كانت أو مندوبة. وحذف المعمول لأنه أبلغ في التعميم.
{ولا صلى} أي: ما أمر به من فرض وغيره فلا تمسك بحبل الخالق ولا وصل حبل الخلائق، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لم يصدق بالرسالة ولا صلى، أي: دعا لربه عز وجلّ وصلى على رسوله صلى الله عليه وسلم وقال قتادة: فلا صدق بكتاب الله تعالى ولا صلى لله جل ذكره.
{ولكن} أي: فعل ضد ما أمر به بأن {كذب} أي: بما أتاه به النبيّ صلى الله عليه وسلم من قرآن وغيره {وتولى} أي: أعرض عنه وهذا الاستدراك واضح إذ لا يلزم من نفي التصديق والصلاة التكذيب والتولي. وقال القرطبي: معناه: كذب بالقرآن وتولى عن الإيمان. وقيل: نزلت في أبي جهل.
{ثم ذهب} أي: هذا الإنسان أو أبو جهل {إلى أهله} غير متفكر في عاقبة ما فعل من التكذيب حالة كونه {يتمطى} أي: يتبختر افتخاراً بتكذيبه وإعراضه وعدم مبالاته بذلك وأصله يتمطط أي: يتمدد لأن المتبختر يمد خطاه، وإنما أبدلت الطاء الثانية ياء كراهة اجتماع الأمثال، وقيل: هو من المطا وهو الظهر لأنه يلويه تبختراً في مشيته.
وقوله تعالى: {أولى لك} فيه التفات من الغيبة والكلمة اسم فعل واللام للتبيين أي: وليك ما تكره {فأولى} أي: فهو أولى بك من غيرك.
وقوله تعالى: {ثم أولى لك فأولى} تأكيد وقيل: هذه الكلمة تقولها العرب لمن قاربه المكروه، وأصلها من الولي وهو القرب. قال الله تعالى: {قاتلوا الذين يلونكم} (التوبة: ١٢٣)
وقال قتادة: ذكر لنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية «أخذ بمجامع ثوب