وعصفت الحرب بالقوم أي: ذهبت بهم. وقيل: يحتمل أنها الآيات المهلكة كالزلازل والخسوف.
{والناشرات ونشراً} أي: الرياح اللينة تنشر المطر. وقال الحسن: هي الرياح التي يرسلها الله تعالى بين يدي رحمته، وقيل: الأمطار لأنها تنشر النبات بمعنى تحييه. وروي عن السدي أنها الملائكة تنشر كتب الله تعالى. وروى الضحاك أنها الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد.
تنبيه: إنما قال الله تعالى {والناشرات} بالواو لأنه استئناف قسم آخر.
{فالفارقات فرقاً} أي: الرياح تفرق السحاب وتبدده قاله مجاهد، وعن ابن عباس هي الملائكة تفرّق الأقوات والأرزاق والآجال، وقيل: هم الرسل فرّقوا بين ما أمر الله تعالى به وما نهى عنه أي: بينوا ذلك، وقيل: آيات القرآن تفرّق بين الحق والباطل والحلال والحرام.
{فالملقيات ذكراً} أي: الملائكة تنزل بالوحي إلى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وقيل: هو جبريل عليه السلام وحده سمي باسم الجمع تعظيماً.
فإن قيل: ما المناسبة على هذا بين الرياح والملائكة في القسم؟ أجيب: بأنّ الملائكة روحانيون، فهم بسبب لطافتهم وسرعة حركاتهم كالرياح.
وقيل: المراد به الرسل يلقون إلى أممهم ما أنزل عليهم، وذكراً مفعول به ناصبه الملقيات.
{عذراً أو نذراً} مصدران من عذر إذا محا الإساءة، ومن أنذر إذا خوّف على فعل كالكفر والشكر. ويجوز أن يكون جمع عذير بمعنى المعذور، وجمع نذير بمعنى الإنذار، وبمعنى العاذر والمنذر. ونصبهما إمّا على البدل من ذكراً على الوجهين الأوّلين أو على المفعول له، وإمّا على الوجه الثالث، فعلى الحال بمعنى عاذرين أو منذرين. وقرأ {أو نذراً} نافع وابن كثير وابن عامر وشعبة بضم الذال والباقون بسكونها.
وقوله تعالى: {إنما توعدون لواقع} جواب القسم، ومعناه أنّ الذي توعدونه من مجيء القيامة كائن لا محالة، وقال الكلبي: المراد أنّ كل ما توعدون به من الخير والشرّ لواقع.
ثم بين وقت وقوعه فقال تعالى: {فإذا النجوم} أي: على كثرتها {طمست} أي: محي نورها أو ذهب نورها ومحقت ذواتها، وهو موافق لقوله تعالى: {انتثرت} (الإنفطار: ٢٠)
و {انكدرت} (التكوير: ٢)
قال الزمخشري: ويجوز أن يمحق نورها ثم تنتثر ممحوقة النور.
{وإذا السماء} أي: على عظمها {فرجت} أي: فتحت وشققت فكانت أبواباً، والفرج الشق ونظيره {إذا السماء انشقت} (الانشقاق: ١)
{وإذا الجبال} أي: على صلابتها {نسفت} أي: ذهب بها كلها بسرعة من نسفت الشيء: إذا اختطفته، أو نسفت كالحب إذا نسف بالمنسف، ونحوه {وبست الجبال بساً} (الواقعة: ٥)
{وكانت الجبال كثيباً مهيلاً} (المزمل: ١٤)
{وإذا الرسل} أي: الذين أنذروا الناس ذلك اليوم فكُذبوا {أقتت} قال مجاهد والزجاج: المراد بهذا التأقيت تبيين الوقت الذي فيه يحضرون للشهادة على أممهم، أي: جمعت لميقات يومٍ معلومٍ وهو يوم القيامة، والوقت الأجل الذي يكون عنده الشيء المؤخر إليه، فالمعنى: جعل لها وقت أجل للفصل والقضاء بينهم وبين الأمم كقوله تعالى: {يوم يجمع الله الرسل} (المائدة: ١٠٩)
. وقرأ أبو عمرو بواو مضمومة والباقون بهمزة مضمومة وهما لغتان، والعرب تعاقب بين الواو والهمزة كقولهم: وكدت وأكدت.
وقوله تعالى: {لأي يوم} أي: عظيم متعلق بقوله تعالى: {أجلت} وهذه الجملة معمولة لقول مضمر أي: يقال لأي يوم أجلت، وهذا القول المضمر يجوز أن يكون جواباً لإذا وأن يكون حالاً من مرفوع.