رأي الأخفش، ويجوز أن يكون لا يملكون حالاً وتكون لازمة.
وأما جرّهما فعلى البيان والنعت أو يجعل رب السموات تابعاً للأوّل والرحمن تابعاً للثاني، وأما جرّ الأوّل فعلى التبعية للأوّل. ورفع الثاني، فعلى الابتداء والخبر الجملة الفعلية وهي لا يملكون أي: الخلق. {منه} أي: من الله تعالى {خطاباً} والضمير في لا يملكون لأهل السموات والأرض أي: ليس في أيديهم ما يخاطب به الله، ويأمر به في أمر الثواب والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرّف الملاك، فيزيدون فيه أو ينقصون منه أولا يملكون أن يخاطبوا بشيء من نقص العذاب أو زيادة في الثواب إلا أن يهب لهم ذلك ويأذن لهم فيه.
وقوله تعالى: {يوم} متعلق بلا يملكون أو لا يتكلمون {يقوم الروح والملائكة} وقوله تعالى: {صفاً} حال أي: مصطفين، والروح أعظم خلقاً من الملائكة وأشرف منهم وأقرب من رب العالمين، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو ملك عظيم ما خلق الله تعالى بعد العرش خلقاً أعظم منه، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفاً وقامت الملائكة كلهم صفاً واحداً، فيكون عظم خلقه مثلهم، وقال الشعبي: هو جبريل عليه السلام، وقيل: ملك موكل على الأرواح.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الروح ملك أعظم من السموات ومن الجبال ومن الملائكة وهو في السماء الرابعة يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة يخلق من كل تسبيحة ملك يجيء يوم القيامة صفاً وحده.
وقال مجاهد وقتادة رضي الله عنهم: الروح خلق على صورة بني آدم وليسوا بناس يقومون صفاً والملائكة صفاً هؤلاء جند وهؤلاء جند. وروى مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلق على صورة بني آدم وما ينزل من السماء ملك إلا معه واحد منهم، وقال الحسن رضي الله عنه: هو بنو آدم ورواه قتادة عن ابن عباس رضي الله عنهما وقال: هذا ما كان يكتمه ابن عباس، وقيل: هو جند من جنود الله تعالى ليسوا ملائكة، لهم رؤوس وأيد وأرجل يأكلون الطعام. وقيل: أرواح بني آدم، وقال زيد بن أسلم: هو القرآن، وقرأ {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا} (الشورى: ٥٢)
وإذا كان هؤلاء {لا يتكلمون} وهم من أفضل الخلق وأشرفهم وأكثرهم طاعة وأقربهم منه تعالى لا يملكون التكلم، فما ظنك بمن عداهم من أهل السموات والأرض، ويجوز رجوع الضمير للخلق أجمعين.
{إلا من أذن له} أي: في الكلام إذناً خاصاً {الرحمن} أي: الملك الذي لا تكون النعمة إلا منه {وقال} قولاً {صواباً} في الدنيا أي: حقاً من المؤمنين والملائكة وهما شريطتان: أن يكون المتكلم مأذوناً له في الكلام، وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى. لقوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} (الأنبياء: ٢٨)
وقيل: القول الصواب لا إله إلا الله.
{ذلك} أي: المشار إليه لبعد مكانته وعظم رتبته وعلوّ منزلته {اليوم الحق} أي: الكائن لا محالة وهو يوم القيامة {فمن شاء اتخذ إلى ربه} أي: المحسن إليه {مآباً} أي: مرجعاً وسبيلاً لطاعته ليسلم من العذاب في ذلك اليوم، فإنّ الله تعالى جعل لهم قوة واختياراً، ولكن لا يقدر أحد منهم على مشيئة شيء إلا بمشيئة الله تعالى.
{إنّا} أي: على ما لنا من العظمة {أنذرناكم} أي: يا كفار مكة {عذاباً قريباً} أي: عذاب يوم القيامة الآتي وكل آت قريب، وقوله تعالى: {يوم} ظرف لعذاباً بصفته {ينظر المرء} أي: كل امرئ سواء كان مؤمناً أو كافراً نظراً لا مرية فيه {ما} أي: الذي {قدمت يداه} أي: كسبه في الدنيا من خير وشرّ،