بركات النبوّة على جميع أهل الأرض المسلم بإسلامه وغيره برفع عذاب الاستئصال عنه، فإن العلماء قالوا: إنّ عذاب الاستئصال ارتفع حين أنزلت التوراة، وهو واد بالطور بين إيلة ومصر، وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو بغير تنوين في الوصل والباقون بالتنوين.
وقوله تعالى: {اذهب إلى فرعون} أي: ملك مصر الذي كان يستعبد بني إسرائيل على إرادة القول {إنه طغى} أي: تجاوز الحدّ في الكفر وعلا وتكبر.
وقال الرازي: لم يبين أنه طغى في أي شيء، فقيل: تكبر على الله تعالى وكفر به، وقيل: تكبر على الخلق واستعبدهم. { {
وروي عن الحسن رضي الله عنه قال: كان فرعون علجاً من همدان، وقال مجاهد رضي الله عنه: كان من أهل إصطخر. وعن الحسن أيضاً: كان من أصبهان يقال له: ذو الظفر طوله أربعة أشبار.
وقوله تعالى: {فقل} أي: له {هل لك} أي: هل لك سبيل {إلى أن تزكى} أي: تتطهر من الكفر والطغيان. قال ابن عباس رضي الله عنهما: بأن تشهد أن لا إله إلا الله. وقال أبو البقاء: لما كان المعنى أدعوك جاء بإلى، وقال غيره: يقال هل لك في كذا، وهل لك إلى كذا كما تقول: هل ترغب فيه وهل ترغب إليه. وقرأ نافع وابن كثير بتشديد الزاي، والأصل تتزكى والباقون بتخفيفها.
{وأهديك إلى ربك} أي: وأنبهك على معرفة المحسن إليه {فتخشى} لأنّ الخشية لا تكون إلا بالمعرفة قال الله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} (فاطر: ٢٨)
أي: العلماء به، وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر من خشي الله تعالى أتى منه كل خير، ومن أمن اجترأ على كل شرّ. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل» بدأ بمخاطبته بالاستفهام الذي معناه العرض كما يقول الرجل لضيفه: هل لك أن تنزل بنا، وأردفه الكلام الرفيق ليستدعيه للتلطف في القول ويستنزله بالمداراة من علوه كما أمر بذلك في قوله تعالى: {فقولا له قولاً ليناً} (طه: ٢٥)
الآية. وقال الرازي: سائر الآيات تدل على أنه تعالى لما نادى موسى عليه السلام ذكر له أشياء كثيرة {نودي إني أنا ربك} إلى قوله تعالى: {لنريك من آياتنا الكبرى اذهب إلى فرعون إنه طغى} (طه: ١٢ ـ ٢٤)
فدل قوله تعالى: {اذهب إلى فرعون إنه طغى} أنه من جملة ما ناداه به لا كل ما ناداه به، وأيضاً فليس الغرض أنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى فرعون فقط، بل إلى كل من كان في الطور إلا أنه خصه بالذكر لأنّ دعوته جارية مجرى كل القوم.
والفاء في قوله تعالى: {فأراه} عاطفة على محذوف يعني: فذهب فأراه {الآية الكبرى} كقوله تعالى: {اضرب بعصاك الحجر فانفجرت} (البقرة: ٦٠)
أي: فضرب فانفجرت.
واختلفوا في الآية الكبرى أي: العلامة العظمى وهي المعجزة. فقال عطاء وابن عباس رضي الله عنهم: هي العصا. وقال مقاتل والكلبي رضي الله عنهما: هي اليد البيضاء تبرق كالشمس، والأوّل أولى لأنه ليس في اليد إلا انقلاب لونها، وهذا حاصل في العصا لأنها لما انقلبت حية لا بدّ وأن يتغير اللون الأوّل، فإذن كل ما في اليد فهو حاصل في العصا، وأمور أخر وهي الحياة في الجرم الجمادي وتزايد أجزائه، وحصول القدرة الكبيرة والقوّة الشديدة وابتلاعها أشياء كثيرة وزوال الحياة والقدرة عنها، وذهاب تلك الأجزاء التي عظمت، وزوال ذلك اللون والشكل اللذين صارت العصا بهما حية، وكل واحد من هذه الوجوه كان معجزاً مستقلاً في نفسه، فعلمنا أنّ الآية الكبرى هي العصا. وقال مجاهد رضي الله عنه: هي مجموع العصا واليد، وقيل: فلق البحر، وقيل: جميع آياته التسع.
{فكذب} أي: فتسبب عن رؤيته ذلك