فهو يفعل ما يريد.
وعن أبي اليسر: دخل ناس من الصحابة على أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه يعودونه فقالوا: ألا نأتيك بطبيب؟ قال: قد رآني. قالوا: فماذا قال لك؟ قال: إني فعال لما أريد. وقال الزمخشري: فعال خبر مبتدأ محذوف، وإنما قال فعال لأنّ ما يريد ويفعل في غاية الكثرة. وقال الطبري: رفع فعال وهو نكرة محضة على وجه الإتباع لإعراب الغفور الودود.
تنبيه: دلت هذه الآية أنّ جميع أفعال العباد مخلوقة لله تعالى. قال بعضهم: ودلت على أنّ الله تعالى لا يجب عليه شيء لأنها دالة على أنه يفعل ما يريد.
{هل} أي: قد {أتاك} أي: يا أشرف الرسل {حديث} أي: خبر {الجنود} أي: الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم وقوله تعالى: {فرعون وثمود} يجوز أن يكون بدلاً من الجنود، واستشكل كونه بدلاً؛ لأنه لم يكن مطابقاً للمبدل منه في الجمعية. وأجيب: بأنه على حذف مضاف، أي: جنود فرعون وأنّ المراد فرعون وقومه، واستغنى بذكره عن ذكرهم لأنهم أتباعه، ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار أعني لأنه لما لم يطابق ما قبله وجب قطعه.
والمعنى: إنك قد عرفت ما فعل الله تعالى بهم حين كذبوا رسلهم كيف هلكوا بكفرهم فقومك إن لم يؤمنوا بك فعل بهم كما فعل بهؤلاء، فاصبر كما صبر الأنبياء قبلك على أممهم.
{بل الذين كفروا} أي: من هؤلاء الذين لا يؤمنون بك {في تكذيب} لك لا يرعوون عنه، ومعنى الإضراب: أنّ حالهم أعجب من حال هؤلاء فإنهم سمعوا قصتهم ورأوا آثار هلاكهم وكذبوا أشدّ من تكذيبهم، وإنما خص فرعون وثمود لأنّ ثمود في بلاد العرب وقصتهم عندهم مشهورة، وإن كانوا من المتقدّمين، وأمر فرعون كان مشهوراً عند أهل الكتاب وغيرهم، وكان من المتأخرين في الهلاك فدل بهما على أمثالهما.
وقوله تعالى: {والله} أي: والحال أن الملك الذي له الكمال كله {من ورائهم محيط} وفيه وجوه:
أحدها: أن المراد وصف اقتداره عليهم وأنهم في قبضته وحصره، كالمحاط إذا أحيط به من ورائه ينسدّ عليه مسلكه فلا يجد مهرباً، يقول الله تعالى: فهم كذا في قبضتي وأنا قادر على إهلاكهم ومعاجلتهم بالعذاب على تكذيبهم إياك فلا تجزع من تكذيبهم، إياك فليسوا يفوتونني إذا أردت الانتقام منهم.
ثانيها: أن يكون المراد من هذه الإحاطة قرب هلاكهم كقوله تعالى: {وظنوا أنهم أحيط بهم} (يونس: ٢٢)
فهو عبارة عن مشارفة الهلاك.
ثالثها: أنه تعالى محيط بأعمالهم، أي: عالم بها فيجازيهم عليها.
{بل هو} أي: هذا القرآن الذي كذبوا به، وهو لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه {قرآن} أي: جامع لكل منفعة جليلة بالغ الذروة العليا في كل شرف {مجيد} أي: شريف وحيد في اللفظ والمعنى، وليس كما زعم المشركون أنه شعر وكهانة.
{في لوح} هو في الهواء فوق السماء السابعة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: إن في صدر اللوح لا إله إلا الله وحده، دينه الإسلام، ومحمد عبده ورسوله، فمن آمن بالله عز وجل وصدّق بوعيده واتبع رسله أدخله الجنة، قال: واللوح لوح من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض، وعرضه ما بين المشرق والمغرب، وحافتاه الدرّ والياقوت، ودفتاه ياقوتة حمراء، وقلمه نور وكلامه نور، معقود بالعرش وأصله في حجر ملك.
وقرأ {محفوظ} بالرفع نافع على أنه نعت لقرآن، والباقون بالجرّ على أنه نعت للوح. وقال مقاتل: اللوح المحفوظ عن يمين العرش وقال البغوي: هو أمّ الكتاب، ومنه تنسخ الكتب محفوظ من الشياطين ومن الزيادة فيه