ربك} اه. وكون الاسم عين المسمى أو غيره قد ذكرتها في مقدّمتي على البسملة والحمدلة. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: سبح أي: صل بأمر ربك. وذهب جماعة من الصحابة والتابعين على أنّ المراد قل: سبحان ربي الأعلى، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {سبح اسم ربك الأعلى} فقال: «سبحان ربي الأعلى» . وعن عقبة بن عامر «أنه لما نزلت {فسبح باسم ربك العظيم} (الواقعة: ٧٤)
قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم «اجعلوها في ركوعكم» . ولما نزل {سبح اسم ربك الأعلى} قال: اجعلوها في سجودكم» . وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك. وروي «أنّ أوّل من قال سبحان ربي الأعلى ميكائيل» .
ولما أمر تعالى بالتسبيح فكان سائلاً قال: الاشتغال بالتسبيح إنما يكون بعد المعرفة فما الدليل على وجود الرب تعالى؟
فقال تعالى: {الذي خلق} أي: أوجد من العدم فله صفة الإيجاد لكل ما أراده لا يعسر عليه شيء {فسوّى} أي: مخلوقه. وقال الرازي: يحتمل أن يريد الناس خاصة، ويحتمل أن يريد الحيوان، ويحتمل أن يريد كل شيء خلقه تعالى، فمن حمله على الإنسان ذكر للتسوية وجوهاً: أحدها: اعتدال قامته وحسن خلقه، كما قال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} (التين: ٤)
وأثنى على نفسه بسبب خلقه إياه بقوله تعالى: {فتبارك الله أحسن الخالقين} (المؤمنون: ١٤)
. ثانيها: كل حيوان مستعدّ لنوع واحد من الأعمال فقط، أمّا الإنسان فإنه خلق بحيث يمكنه أن يأتي بجميع الأعمال بواسطة الآلات. ثالثها: أنه تعالى هيأه للتكليف والقيام بأداء العبادات. وقال بعضهم: خلق في أصلاب الآباء وسوّى في أرحام الأمّهات.
ومن حمله على جميع الحيوانات فمعناه: أنه أعطى كل حيوان ما يحتاج إليه من الآلات والأعضاء، ومن حمله على جميع المخلوقات كان المراد من التسوية: هو أنه تعالى قادرٌ على كل الممكنات، عالمٌ بجميع المعلومات، يخلق ما أراد على وفق إرادته موصوفاً بالأحكام والإتقان، مبرّأٌ عن النقص والاضطراب.
وقرأ {والذي قدر} الكسائي بتخفيف الدال والباقون بالتشديد قال البغوي: وهما بمعنى واحد، أي: أوقع تقديره في أجناس الأشياء وأنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها وغير ذلك من أحوالها، فجعل البطش لليد، والمشي للرجل، والسمع للأذن، والبصر للعين ونحو ذلك {فهدى} قال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والشرّ والسعادة والشقاوة وهدى الأنعام لمراعيها. وقال مقاتل والكلبي: في قوله تعالى: {فهدى} عرّف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى، كما قال تعالى في سورة طه: {أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} (طه: ٥٠)
أي: الذكر للأنثى. وقال عطاء: جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها له. وقيل: قدّر أقواتهم وأرزاقهم وهداهم لمعاشهم إن كانوا أناساً، ولمراعيهم إن كانوا وحوشاً. وقال السدّي: قدّر مدّة الجنين في الرحم ثم هداه إلى الخروج من الرحم، ومن ذلك هدايات الإنسان إلى مصالحه من أغذيته وأدويته وأمور دنياه ودينه، وإلهامات البهائم والطيور وهوام الأرض إلى معايشها ومصالحها.
يقال: إن الأفعى إذا أتى عليها ألف سنة عميت، وقد ألهمها الله تعالى أن تمسح عينيها بورق الرازيانج الغض فيردّ إليها بصرها، فربما كانت في برية بينها وبين الريف مسيرة أيام فتطوي تلك المسافة على طولها وعماها حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرازيانج لا تخطئها، فتحك بها عينيها فترجع باصرة بإذن الله تعالى.
وقيل: {فهدى} أي: دلهم بأفعاله على توحيده، وكونه عالماً قادراً،