للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وظنونه الكاذبة فلم يحسن إلى الناس ولا عمل للعقبى.

{وكذب} ، أي: أوقع التكذيب لمن يستحق التصديق {بالحسنى} ، أي: فأنكرها وكان عامداً مع المحسوسات كالبهائم.

{فسنيسره} ، أي: نهيئه {للعسرى} ، أي: للخلة المؤدية إلى العسرة والشدة كدخول النار. وعن ابن عباس قال: نزلت في أمية بن خلف، وعنه فسنيسره للعسرى، أي: سأحول بينه وبين الإيمان بالله ورسوله وعنه أيضاً.

{وأمّا من بخل} ، أي: بماله واستغنى عن ربه {وكذب بالحسنى} ، أي: بالخلف الذي وعده الله تعالى في قوله سبحانه: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} (سبأ: ٣٩)

وقال مجاهد: {وكذب بالحسنى} ، أي: بالجنة، وعنه بلا إله إلا الله ويجوز في مافي قوله تعالى:

{وما يغني عنه ماله} أن تكون نافية، أي: لا يغني عنه ماله شيئاً وأن تكون استفهاماً انكارياً، أي: شيء يغني عنه ماله {إذا تردّى} قال أبو صالح: أي إذا سقط في جهنم. وقيل: هو كناية عن الموت كما قال القائل: { {

*نصيبك مما تجمع الدهر كله ... رداآن تطوى فيهما وحنوط*

ولما عرفهم سبحانه أنّ سعيهم شتّى وبين للمحسنين من اليسرى وما للمسيئين من العسرى أخبرهم بأنّ عليه بيان الهدى من الضلال بقوله تعالى:

{إنّ علينا} ، أي: بما لنا من القدرة والعظمة {للهدى} ، أي: للإرشاد إلى الحق بموجب قضائنا، أو بمقتضى حكمتنا فنبين طريق الهدى من طريق الضلال ليمتثل أمرنا بسلوك الأوّل، ونهينا عن ارتكاب الثاني. وقال الفراء: معناه إن علينا للهدى والإضلال فحذف المعطوف، كقوله تعالى: {سرابيل تقيكم الحرّ} (النحل: ٨١)

وهو معنى قول ابن عباس: يريد أرشد أوليائي للعمل بطاعتي، وأحول بين أعدائي أن يعملوا بطاعتي، وهو معنى الإضلال. وقيل: معناه من سلك سبيل الهدى فعلى الله تعالى سبيله كقوله تعالى: {وعلى الله قصد السبيل} (النحل: ٩)

{وإنّ لنا للآخرة والأولى} ، أي: لنا ما في الدنيا والآخرة فنعطي في الدارين ما نشاء لمن نشاء فمن طلبهما من غيرنا فقد أخطأ الطريق. وعن ابن عباس قال: ثواب الدنيا والآخرة. وهو كقوله تعالى: {من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة} (النساء: ١٣٤)

{فأنذرتكم} ، أي: حذرتكم وخوّفتكم يا أيها المخالفون للطريق الذي بينته {ناراً تلظى} بحذف إحدى التاءين من الأصل، أي: تتلهب وتتوقد وتتوهج، يقال: تلظت النار تلظياً، ومنه سميت جهنم لظى. وقرأ البزي في الوصل بتشديد التاء وهو عَسِرٌ لالتقاء الساكنين على غير حدّهما، وهو نظير قوله تعالى: {إذ تلقونه} (النور: ١٥)

والباقون بغير تشديد. { {

{لا يصلاها} ، أي: لا يقاسى شدّتها على طريق اللزوم والانغماس {إلا الأشقى} ، أي: الذي هو في الذروة من الشقاوة وهو الكافر فإنّ الفاسق وإن دخلها لم يلزمها ولذلك سماه أشقى ووصفه بقوله تعالى:

{الذي كذب} النبيّ صلى الله عليه وسلم {وتولى} ، أي: عن الإيمان، أو كذب الحق وأعرض عن الطاعة أو الأشقى بمعنى الشقي كقوله: لست فيها بأوحد، أي: واحد. والحصر مؤوّل لقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (النساء: ٤٨)

فيكون المراد الصليّ المؤبد.

{وسيجنبها} ، أي: النار الموصوفة بوعد لا خلف فيه {الأتقى} ، أي: الذي اتقى الشرك والمعاصي فإنه لا يدخلها فضلاً أن يدخلها ويصلاها، ومفهوم ذلك على التفسير الأوّل أنّ من أتقى الشرك دون المعصية لا يتجنبها ولا يلزم ذلك صليها ولا يخالف الحصر السابق، أو الأتقى

<<  <  ج: ص:  >  >>