للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر منها من الخير والبركة بسكنى الأنبياء والصالحين فمنبت التين والزيتون مهاجر إبراهيم عليه السلام، ومولد عيسى عليه السلام ومنشؤه والطور المكان الذي نودي منه موسى عليه السلام، ومكة البيت الذي هو هدى للعالمين ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه اه.

وقوله تعالى: {لقد خلقنا} ، أي: قدّرنا وأوجدنا بما لنا من العظمة والقدرة التامّة {الإنسان} جواب القسم والمراد بالإنسان: الجنس الذي جمع فيه الشهوة والعقل، وفيه من الإنس بنفسه ما ينسيه أكثر مهمه الشامل لآدم عليه السلام وذريته. وقيل: نزلت في منكري البعث. وقيل: في الوليد بن المغيرة وقيل: كلدة بن أسيد. وقوله تعالى: {في أحسن تقويم} صفة لمحذوف، أي: في تقويم أحسن تقويم. وقال أبو البقاء: في أحسن تقويم في موضع الحال من الإنسان، وأراد بالتقويم القوام لأن التقويم فعل وذاك وصف للخالق لا للمخلوق، ويجوز أن يكون التقدير في أحسن قوام التقويم فحذف المضاف، ويجوز أن تكون في زائدة، أي: قومناه أحسن تقويم اه.

وأحسن تقويم أعدله لأنه تعالى خلق كل شيء منكباً على وجهه وخلق الإنسان مستوياً، وله لسان ذلق ويد وأصابع يقبض بها. قال ابن العربي: ليس لله تعالى خلق أحسن من الإنسان، فإنّ الله تعالى خلقه حياً عالماً قادراً مريداً متكلماً سميعاً بصيراً مدبراً حكيماً وهذه صفات الله تعالى وعبر عنها بعض العلماء، ووقع البيان بقوله: «إن الله تعالى خلق آدم على صورته» يعني: على صفاته المتقدّم ذكرها.

وفي رواية على صورة الرحمن ومن أين يكون للرحمن صورة شخصية فلم تكن إلا معاني. وروي أنّ عيسى بن يوسف الهاشميّ كان يحب زوجته حباً شديداً، فقال لها يوماً: أنت طالق ثلاثاً إن لم تكوني أحسن من القمر فنهضت واحتجبت عنه، وقالت: طلقتني فبات بليلة عظيمة فلما أصبح غدا إلى دار المنصور فأخبره الخبر، فاستحضر الفقهاء واستشارهم، فقال جميع من حضر قد طلقت إلا رجلاً واحداً من أصحاب أبي حنيفة فإنه كان ساكتاً، فقال له المنصور: ما لك لا تتكلم، فقال الرجل: بسم الله الرحمن الرحيم {والتين والزيتون} إلى قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} يا أمير المؤمنين فالإنسان أحسن الأشياء، ولا شيء أحسن منه، فقال المنصور لعيسى: الأمر كما قال الرجل فأقبل على زوجتك، فأرسل المنصور إليها أطيعي زوجك فما طلقك. وهذا يدل على أنّ الإنسان أحسن خلق الله تعالى ولذلك قيل: إنه العالم الأصغر إذ كل ما في المخلوقات اجتمع فيه.

{ثم رددناه} أي: بعض أفراداه بما لنا من القدرة الكاملة {أسفل سافلين} أي: إلى الهرم وأرذل العمر فيضعف بدنه وينقص عقله، والسافلون هم الضعفاء والزمنى والأطفال، والشيخ الكبير أسفل من هؤلاء جميعاً لأنه لا يستطيع حيلة ولا يهتدي سبيلاً، فقوس ظهره بعد اعتداله، وأبيض شعره بعد اسوداده، وكل بصره وسمعه وكانا حديدين، وتغير كل شيء منه فمشيه دليف وصوته خفات وقوّته ضعف وشهامته خرف. وقيل: ثم رددناه إلى النار لأنها دركات بعضها أسفل من بعض.

فقوله تعالى: {إلا الذين آمنوا وعملوا} أي: تصديقاً لدعواهم الإيمان {الصالحات} أي: الطاعات استثناء متصل على الثاني على أنّ المعنى: رددناه أسفل من سفل خلقاً وتركيباً يعني: أقبح من قبح صورة

<<  <  ج: ص:  >  >>